ـ ( جُولْيَا ) وأَخَوَاتُهَا ـ
للأديب / محمد شعبان
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لم يكنْ هذا رد فعلكَ المرةَ السابقةَ أتَذْكرُ ؟! .. وأَتَذْكُرُ لماذا جئتَ إلى هذه البلاد البعيدةِ الغريبةِ ؟ .. جئتَ لتدفنَ رأسكَ في التراب مثل النعام ، لتعيشَ غريبًا في أرض غريبة بعيدة ووسط عادات وتقاليد غريبة عنكَ ، هل تحاول التكيّف أليس كذلك ؟، لكنك لا تستطيع ، عقلك في وادٍ وقلبك في وادٍ آخر ، لذا لن تستطيع ، لماذا لم تع الدرس ؟ تُحبّ ، ثم تُحبّ ، وتغرق في الحب ، ثم تكتشف أنك الوحيد الذي تحب في عالم يغص بالخيانة ، وكأنّكَ تزعق في تماثيل لا حياة فيهم ، حتى إنهم لا يقابلون حبّكَ بكرهٍ وحسب ، أو تجاهل وحسب إنما يُقابَل بخيانة ، هل تعرف معنى الكلمة ؟ ، لكن دعنا نتفق أنها لم تكن خيانة هذه المرة ، أنتَ و ( جوليا ) مجرد أصدقاء هُنا ، ومجرد الصداقة هنا تسمح لها بما تشاء ، حُرّيَّة !.. :ـ نعم نحن أصدقاء ، لكنها عبَّرت لي عن حبِّها أكثر من مرة خاصَّة في أوقاتِنا الحميميَّة عندما تنفجر الألوان الوردية وسط تأوهات لذيذة هادئة ، كما أننا تواعدنا على الزواج ، ثم إنّ الفترة التي قضيناها سويًّا كفيلة بالتفاهم ، وزيادةِ الميلِ العاطفيّ .. :ـ وأنتَ ؟ .. :ـ وأنا ماذا ؟ .. :ـ أحببتَها أليسَ كذلك ؟ .. :ـ ( أأأأأ ) .. :ـ لِمَ أيها الغبي ؟ ، ألم تعاهد نفسك ألا تمتلك أيّ امرأة قلبك بعدما حدث ؟ ألا تذكر ما حدث لك بسبب الحب ؟ وأنك ما جئتَ إلى هنا إلا بسبب الحب ، حتى اضطرتك نظراتُ الناس الحادة وثرثرتهم المقيتة وضحكاتهم المستهزئة لمغادرة بلادك وأصدقائك وأهلك وذكرياتك مع ... :ـ لا لا ،لا تذكِّرني بهذه الـ... ، تلك كانت مُومِسًا بغيضة ، قابلتْ إخلاصي لها وتفانيَّ في حُبها بخيانةٍ رغم أني ... :ـ رغم أنكَ ماذا ؟ ،لقد أخلصتَ أيضا لـ ( جوليا ) كما أخلصتَ لـ ( ري.... ) .. :ـ لا لا ، لا تذكرْ اسمَها ، لم أكنْ أحرمْها من أيّ شيء ، كانت تشعرني بأنني الرجل الوحيد في هذا العالم كانت كثيرا ما تكرر ذلك ، وفي لحظات انتشائها العارمة حينما تحمَرَّ وجنتاها وتصبح وردية لذيذة .. :ـ ( ريهام ) .. :ـ ذكرتَهَا إذن ؟ ، قلت لك لا تذكرني بها ، كفى كفى ، (آااااه ) لم أكن أنتظر منها تلك الليلة سوى الاعتذار والاستغفار ، كان سينطفئ بركانُ غضبي إنْ ارتمت في أحضاني وعبَّرت عن شعورها بالعار والصَّغَار ، صدقني كانت ستغسل بذلك كل دنس شاب ثوب علاقتنا الجميلة النقية ، أتذكَّرُ جيدا ما قالتْه وهي تُهْرَعُ إلى شماعة الملابس تلتقط ( الروب ) لتستر جسمها البض الأبيض ، بينما الفأر الرعديد يلتقط ملابسه قطعة قطعة ويندفع نحو باب الشقة وما زال نظره معلقا بي يتصبب عرقا ، ينهج ، يواري سوءته التي ما زالت منتصبة ، حتى أكمل ارتداء ملابسه على السلالم ، أنا تسمَّرت في مكاني ، ألجمتني المفاجأة ، لم أنطق كلمة واحدة ( آااااه ) ، أمَّا هي فقد عَمِلَتْ بمبدإ ( خذوهم بالصوت ، لا يغلبونكم ) ، علا صوتها شيئا فشيئا ، طفقت تنافح عن موقفها العُهْرِيّ بجرأة سافرة ، هُنْتُ عليها وهانتْ عليها عشرتنا الجميلة حتى قالت :ـ لم أعد أحبّك ، بل لم أحببك يوما من الأيام ، أبهرني مظهرك البراق العصري ، وحسبَك ونسبَك وأموالَك وسياراتِك ، وأن قطعت كل علاقاتك النسائية من أجلي ، أمَّا الحب فلم تجْنِهِ علاقتنا في يوم من الأيام ، هذه ليست المرةَ الأولى التي ألتقي بها رجلا فوق هذا السرير ، كُثْرٌ هُم ، أتحب أن تعرف الحقيقة ؟، أنا أنتقم منكَ ، نعم أنتقم منكَ ، بل جعلتني أنتقم من كل رجل آتي به إلى هنا ، وأشعر بالانتصار عليه حينما أراه يتعرق ، وينهج ، وتنقطع أنفاسه بروعة الانتشاء ، ويرتمي بجانبي خائر القوى كورقة مبتلة ، أبصق في وجهه وكأنه جيفة كلب عفنة ، ثم أطرده ، ولا أترك له سوى فرصة ارتداء ملابسه ، كلكم سواء ، أرأيتَ نتيجةَ فعلتكَ تلك ، أتذكُرُ ؟ ألا تَذْكُرُ أنك جعلتني محلَّ رِهَان بينكَ وبين أصدقائكَ ؟ ، عندما تأكدتَ أنّ وسائلك الرخيصةُ التي تستخدمها مع الرخيصات لن تفلح معي . :ـ نعم لكنني أحببتُكِ فعلا بعدها ، واستحال إعجابي حبًا وإخلاصًا ، ألا يُكَفِّر ذلك عما تعتبرينه خطيئة ، وهل هذه الخطيئة تستحق هذا العقاب القاسي ، تستحق ؟ ( هاا ) ؟ ، ثم قولي لي من أخبركِ بهذا الأمرِ ؟ . :ـ لا يهم هذا الآن ، لقد جعلتني أراهن نفسي أن أصبح مثلك ، وقد كان ، وتفوقتُ عليك ، كم صَعُبَ على نفسي هذا الشعور الضاربُ بأطنابه في حشاشتي بأني محل رهان رخيص ، صرَّحْتَ بذلك أمامي في تلك السهرة التي شربتَ فيها أنت وأصدقاؤك حدَّ السكر والهذيان ، هل عرفتَ ممن عرفتُ؟ ، ومَنْ الذي أخبرني ؟ :ـ مِنِّي أنَا ؟ :ـ نعم منكَ أنتَ ، كنتُ أودُّ أنْ ترى نفسك وأنتَ تنطقها أمامهم وتضحكون ضحكاتكم اللعينة وتقول وأنت يملؤك شعور الانتصار :ـ لقد كسبتُ الرهانَ يا كلاب (ههههههه ) ، كم كان مؤلمًا أن أجلسَ بينكم وأنا أعلم أن هذه السهرة هي ثمن الرِّهَان الذي فزْتَ به ، أسترخصْتَني لهذا الحدّ ؟ ...
بقيتُ أتسمَّع كلامَها وأدَقّق وأرهف السمع ، علَّها تُغَيّر نبرة صوتها المتبجح ووتيرة كلامها الحاد وقذائف اتهاماتها اللاذعة .. تساءلت فيما بيني وبين نفسي ، هل يبرر ذلك ما فعلتْه ؟ ، لا شرع يسمح ، ولا قانون يطالب بأن نُصلح الخطأ بخطإ مثله ، ثم لِمَ لم تطلب الطلاق لهذا السبب ، فتستريح ؟ ، وربما ساعتَها كنا تفاهمنا ، واعتذرتُ لها ، ونفذت كل ما تطلبه مهما كان قاسيًا عليّ .. تخيَّل أنها بدأت تَقْلِب الآية ، اتهمتني أنا بالخيانة ، وبرَّرت غيابي الطويل بالخارج وأسفاري خارج البلاد بأنني أخونها مع أخريات ، وأقسم أن شيئًا من هذا لم يحدث ، صدقا وقفتُ بعينين مغرورقتين بالدموع أستعطف أحاسيسها التي عودتني عليها ،ومشاعرها التي كانت كبراءة طفل ، لم يكن لي غيرها ، أنسى كل شيء في عناقها اللذيذ الدافئ ، أنهيتُ من أجلها علاقاتي بكل من عرفتهن قبلها ، بالنهاية ـ في تلك الليلة ـ حاولتُ طيَّ هذه الصفحة واعتبرتُها نزوة عابرة ولن تتكرر منها ، فلربما كنتُ أنا أحد أسبابها وأقواها ، فتحتُ ذراعيَّ بابتسامة رضا ، وتقدَّمْت نحوها وضمَمْتُها ، حمدْت الله أنها أخذت تبكي وتبكي ، نمنا ليلتها نومًا عميقا هادئا بعد عودتنا من خروجة جميلة قضيناها في واحد من سلسلة مطاعمي على البحر مباشرة علَّ سكون الليل ومداعبة أمواجه ونسيمه اللطيف يحرك أحاسيسها ، بقيت أنا وهي في المطعم وحدَنا والموسيقى الهادئة تملأ الأفق ، تراقَصْنا ، أفضى كل واحد بما في قلبه للآخر ، طاقم الخدمة كله بالمطعم كان لنا وحدنا ، تحت إمرتنا نحن ، ألغَيتُ كل الحجزات ليلتها لنبقى بمفردنا ، فأستعيد شعور الأنس والألفة والبهجة الذي لا أشعر به إلا معها في أي مكان ، صدقًا .. حاولتُ أن أنسى ، نسيتُ فعلا ، غفرتُ ، لكنني أبدًا لم أعد كسابق عهدي ، لم أعد الغافل الذي يكبر دماغه ، ( كاميرات ) المراقبة رصدت كل ركن بالشقة ، (كاميرات) متصلة بالشبكة العنكبوتية ، تصلني كل تحركاتها و تحركات كل قدم تدُبّ داخل الشقة أولا بأول على مدار الساعة وأنا خارج البيت ، كنتُ أتمنى أن تخيبَ ظنوني ، وأن يأتي اليوم الذي تعترف لي أنها أصبحت تحبني بصدق ، كمْ تمنيتُ تلكَ اللحظةَ ، كم تمنيت أن تعيد كلمتَها المحببة (:ـ أنتَ الرَّجل الوحيد بالعالم ) ، لكنها لم تُعِدْها ، ولم يأتِ ذلك اليوم ، بل جاء اليومُ المشؤوم ، الذي جَلَبَتْ فيه رجلا إلى فراشي مُجددًا ، فوجدَتْني فوقَ رأسيهما ، أعمَلْت فيهما ( المسدس) أفرغْتُ طلقاته كلَّها في كل جسديهما في القلب والدماغ والعنق ، أصبتُ كل خلايا جسمها الوردية المُنْتَشِيَةِ بالرجل الوحيد في العالم ! ، هكذا تشعر كل امرأةٍ لحظة الانتشاء ....
:ـ لكن لا تنس ... :ـ أعرفُ ما ستقوله ، كانتْ هذه المرةُ دفاعًا عن الشَّرَف ، لم يُحْكم عليَّ بيوم واحد سجنًا ، فمثلهن لا تستحق أن يسجن رجل بسببها ساعةً واحدة ً .. :ـ نعم يجب أن تحترس هذه المرة فهنا ليس كهناك ، و(جولياااا ) ... :ـ ( إمْمْمْمْمْمْ ) لا تقلق ، فما حضرتُ هنا الآن إلا لأخلو لـ (جوليا) في هذا المكان الهاديء النائي ، وفي هذه البقعة البعيدة داخل هذه البلاد الغريبة البعيدة ، فأفكر فيما يمكن أن أفعله مع (جوليا) دون أن يُحكم عليّ بيوم واحد سجنا ! ، لكن لن أنسى أن أسألها قَبْلًا لِمَ فَعَلَتْ ذلك ، وأنا لم أراهِنْ عليها أحدًا هذه المرة ؟! ــــــــتمت