فوضى اللغة/ بوكسير/ البقالي/ أزرقان /المغرب*
هذيان قلم مجنون : الاستاذ صالح هشام /المغرب*
ليست حكمة العصور وحدها هي ما يسري فينا بل ان جنون هذه العصور ليسري فينا بالمثل ما اخطر ان تكون وريثا
نتشه : هكذا تكلم زرادشت
محمد بوكسير ونرد ازرقان وفريدة البقالي من الشعراء الشباب الذين يقدسون الحرف العربي، يلجون فوضى اللغة من اوسع ابوابه ، هذه الفوضى التي يخوض الكل فيها ويدلي فيها بدلوه ، لكن ترى هل كل من دخل هذه الفوضى يخرج بأخف الأضرار ، لكن فوضى اللغة لا يخوض غمارها إلا من خبر الفوضى وعلم خباياها ، والذي لا يعرف الفوضى لا يمكنه أن ينجح في النظام والترتيب ، فالشاعر فوضوي مرتب ، فوضوي لأنه ، يقوم بعملية إسناد لا يستسيغه المنطق والعقل لكن يستسيغه الخبل اللغوي أو الجنون اللغوي باعتبارها من الجنون العذب ، و مرتب لأنه يرتب هذه الفوضى في سياقات لغوية تسرق من القاريء الإحساس بوجوده الواقعي ، فهذا القاريء المسكين الذي لا يعرف هذه الفوضى يصيبه أيضا جنون اللغة ، يصيبه جنون التحليق ، على أجنحة لغة مجنونة ، لا تعرف للمنطق حدود ا ، ولا تعترف بالعقل ، هي لغة الشعر إذن ، لغة الهذيان ، لغة اللاوعي / اللاشعور / اللاواقع / الكل يتساوى في هذه الشطحة المجنونة الشاعر والقاريء ، فالقراءة أيضا إبداع ولا يتقن القراءة إلا مبدع ، وقد أراده أبو تمام مبدعا ،فطلب منه أن يرتقي سلم الشعر ويفهم مايقوله الشاعر ، ومن لم يكن يتقن لغة الانزياح وبلاغة الغموض في الشعر لا يمكنه أن يحلق مع الشاعر ، في عالمه ، أنا مثلا- وأنطلق من تجربتي الشخصية - قاريء من محبي أشعار الشاعر بوكسير و فريدة البقالي ونرد ازرقان ، لا أقف مكتوف اليدين ، أنا في الأرض وهم في السماء ، سأحلق ممهما كلف ذلك ولو كسر (عباس بن فرناس )من جديد سأكبو المرة الأولى والثانية والثالثة سأجد نفسي فوق ظهر البجاسوس . النسر عندما يريد ان يحلق يصارع ويقاوم الجاذبية لا تمنعه الغيوم من اختراق ذلك اللون الازق اللانهائي ، أبتلع حروفهم وأتلذذ بابتلاعها (ابتلع الجيم والنون وحتى الواو ) فلا أحس بألم أو وخز في حلقي لأني سأستسيغ فوضى الحروف ، والذي لا يعرف فوضى اللغة سيشعر بحروفها إبرا في حلقه فليلتزم بواقعه ويترك التحليق للنسور ، سيقول قائل : إنني أهذي ، والله فعلا سيكون على حق لأن الذي لا يهذي لا يمكنه أن يعرف لغة الشعر لأنها لغة الهذيان ولغة الجنون ، لابد إذا أردت أن تعرف خبايا لغة الشعر أن تدخل حضرة الهذيان فتهذي كما يهذي الشاعر ،وتستمتع بدفقته الشعرية ، وتحس بوجوده في المساحات البيضاء والفراغات ، وفي حجم السواد على البرد تلك آلة الشاعر ،موسيقاه، إيقاعاته ، لا يعرفها إلا خبير بالدفقة الشعرية ، وأركز هنا على الشعراء الذين تنكروا لبحور الخليل الوارفة وأعلنوا العصيان ، رغم أنهم لازالوا ينتعشون بما تجود عليهم به هذه البحور من تفعيلات ، لكنهم رغم أن القطيعة تبوء دائما بالفشل ، فإن التمرد كان واضحا على موسيقى الشعر فلاهم من أصحاب نونية أبي البقاء الرندي ولادالية أبي العلاء المعري ولاهم من أصحاب البيت ولا من أصحاب الوتد او الوزن فكل هذه الأمور موسيقى الشعر وهم يريدون ممارسة موسيقى شعرهم بطريقتهم الخاصة ، يريدون إيقاعات نابعة من داخل القصيدة من الذفقة الشعرية التي يختلفون فيها كما يختلف كسوف الشمس وطلوع القمر ، هم لا يبحثون عن حكمة المعري أو فروسية عنترة أو غزل جميل ، هم لا يريدون بكاء أطلال امريء القيس ، هم يحبون فقط الابتعاد عن الواقع أن يحلقوا في عالم من صنعهم ، عالم تبدعه مخيلتهم الشاعرة ويترجمون هذه المشاريع ، والأفكار الانزياحية في تراكيب لغوية ، في إسنادات ، تعقل الأحمق وتجنن العاقل ، تراكيب تضرب عرض الحائط بالمألوف اللغوي ، بوكسير يكسر هذا المألوف ، وفريدة تردفك على ظهر البجاسوس (الحصان المجنح ) حصان ورثه الشعراء وعشاق اللغة من شعراء الإغريق ، أما نرد أزرقان فلابد وأن تجول بكم بين أشجار الدفلة في وادي عبقر ، فالواقع من صنيع الذين يعشقون جاذبية الأرض ،لأن أجنحة ذاكرتهم مكسرة ، لا تقوى على الطيران ،لعمري لولا هذا التحليق في عالم الصورة الفنية ، لأصاب الصدأ العقول وتحجرت الأحاسيس ، فعندما يدعوك الشاعر إلى ركوب المجنح ، فطاوعه لأنه يريد ترويض عقلك الذي أكلته جاذبية الأرض كالأرضة، فالشاعر ينتشلك من عمق بئر ويحلق بك في عالم الحرية ، وعالم الخيال الذي لا تستطيع حتى أن تحلم به لأنك إذا كنت لاتتقن لغة الشعراء فإنك لن تستطيع أن تحلم ،ربما تعيش تحت وطأة الكوابيس وتعتقدها أحلاما ، فرق كبير بين ظلف الظأن وحافر الحمار ، بين اللمسة الرقيقة على الخذ والركلة القوية على المؤخرة ، افهموني إخواني القراء ، ومدوا أيديكم للشعراء ، فأنتم لستم الغاوون وإنما عشاق الكلمة الشعرية خدام محراب لغة الشعر أما هم فلا بأس أن يهيموا في كل واد لأنهم الأدرى بمصدر إلهامهم .
بقلم الاستاذ صالح هشام ~~~~~~~~~~~~~~الرباط /المغرب
الرباط ~~~~~~~~~~~~~~~~~~~السبت 24/10/2015
صورة نرد أزرقان.