( الروز الفاتح)
أمس وجدتك على بساط الطفولة كزهرة النعناع الطازجة ..تنبعث منك ألوان الصباح الهادئة،وتفيضين رقّة وعذوبة..وعندما وصلت إلى عتبات المراهقة أصبحت تشبهين الّلوحة التشكيليّة بألوانك الزاهية-تحرّر ناغم- مددت لك يدي كي لا تغرقي في مستنقع الموضة ،واخترت لك الروز الفاتح وعطر التأنّق والنقاء والمثاليّة-عطر الروح- في البداية تمسّكت بيدي مع أنّك كنت انطوائيّة خجولة..يدك كانت ناعمة كالنسيم،ونظرتك كلّها شفافيّة..كنت تصغين إليّ
وإلى زقزقات العصافير و إلى جمال الطبيعة الّتي تهذّب الذائقة البصريّة،وتضيء الأعماق وتداعب الخيال المرتعش بالإثارة..هكذا إلى أن خرجت إلى الشارع..شارع الشرق الّذي تقمّص شارع الغرب ،وأصبحت فوضويّة تصغين إلى صوت الآلة..تركت يدي وأمسكت بالأيادي ..
فلم يعد يكفيك الروز الفاتح ولا قلم الكحل الحجري..أصبحت تريدين معاشرة أدوات التجميل
والمساحيق والإكسسوارات ذات الّلمعان العرقوبي ..وتسريحة شعرك كلّ يوم تحكي قصصا
وأسرارا للجميع..تريدين المديح والإطراء ولو من الشيطان ..قتلت الإتّزان بين الضوء والظلّ
المنبعثين من ثنايا الروح ..قتلت لون الصّفاء ونقاء السريرة..وشنقت العفويّة الّلذيذة..أصبح
همّك الأساسي كيف تحدّدين الخصر وماذا ترتدين؟
تنّورة قصيرة بهدب في نهايتها مع جوارب ذوات قلوب سوداء وحذاء ذو كعب عريض مسطّح
أو بنطالا يكاد يتمزّق منك عليك ،مع بلوزة من الشيفون..أنا لن أقاصصك..فأنت أشعلت يوما
في داخلي الدفء وعطّرتني بالعفويّة والراحة والإسترخاء..لكنّني سأبحث في لوحة تشكيليّة
أخرى ..كي أحدث فيها تناغما بين الألوان وقصّتنا يبدو أنّها انتهت نهاية مكشكشة ..مذ أبدلت
الروز الفاتح بالأحمر الفاقع وطار البساط.
( الشاعر: نورالدين محمّد صبّوح,سوريّة)