إلى أمي في رحاب الله ..
.
. قامت تصلي
(قامت لتصلىَ الفجر كعادتها فما أن أتمت وضوءها حتى صعدت روحها الطاهرة إلى بارئها .. وكان هذا فجر يوم الجمعة الأولى من شهر رجب.. فالله أسأل أن يتغمدها برحمته وأن يدخلها فسيح جناته) .
أنزلْتُ في سَاحَةِ الإكرَامِ حاجَاتِي
وجِئْتُ أشكو إلى ربي شِكاياتي
أشكو هموماً غدتْ كالظلِ تتبعني
قد جرعتنيََ من كأسِ المراراتِِ
أبيتُ والدمعُ يشوى مهجتي حَزَنَاً
فخففِ الآنَ يا ربى عذاباتي
همومُ دهريََ قد باتتْ تُصادقني
وصاحبتني كذاكَ اليومَ أنَّاتي
قد عشتُ في تيهِ عصياني لكم زمناً
أنقذْ إلهيَ نفسي من ضلالاتي
إن زادَ همي بعفوٍ أنتَ تدركني
إن زادَ همي تحلو لي مُناجاتي
منْ لي سواكَ إذا ما الهمُ أرقني
من غيرُكَ الآنَ يأسو لي جِراحاتي
من لي سواكَ إلهَ الكونِ يُنقِذُني
من ظلمِ نفسي من بُعدِ المسافاتِ
من لي سواكَ أيا رباهُ يا سندي
من بعدِ ما رحلتْ أغلى الحبيباتِِ
راحتْ فراحَ الهنا والسعدُ فارقني
فقدتُ لما مضتْ أسمى صداقاتي
كانتْ حفيظةَ سرى دائماً أبداً
ما كنتُ معْ غيرِها أحكى حكاياتي
تدعو ليَ اللهَ دوماً أن يزوجني
أميرةَ الحُسْنِ بل أحلى الأميراتِ
كانتْ تُسَرُّ بشعري حينَ تسمعُهُ
فاليومَ تبكى عليها كلُّ أبياتي
وجاءني طيفُها يوماً وقدْ رحلتْ
ليخبرَ الطيفُ عن حُلو السماحاتِ
قالتْ أُحبُكَ قَدرَ الكونِ يا ولدى
يا فرحَ قلبي بأقوالٍ رضياتِ
لَكَمْ تمنيتُ نوماً لا انقضاءَ لهُ
ما دامَ ذا الطيفُ يأتي في مناماتي
قامتْ تصلى صلاةَ الفجرِ فارتحلت
بعدَ الوضوءِ فيا حُسْنَ الختاماتِ
أهلُ الطهورِ يُحبُ الله فعلَهمو
واللهُ يذكرُ ذا في بعضِ آياتِ
وغَسَّلوها وكانَ الوجهُ مبتسماً
في ذاكَ ما فيهِ من فيضِ البشاراتِ
ويسرعُ النعشُ إيذاناً بفرحتها
ها قدِّموني فيا شوقي إلى الآتي
دنيايََ كالسجنِ جاءَ الموتُ خلصني
فصرتُ أعدو إلى دارِ الكراماتِ
دنيايََ همٌ وغمٌ كلُها نكدٌ
فارقتُ هذا إلى دارِ السعاداتِ
شتانَ بينَ جوارِ الحقِ يا ولدى
وجيرةِ الخلقِ في دنيا العداواتِ
ما ماتَ من كانَ حياً عندَ خالقهِ
وكمْ يعيشُ أناسٌ شبهَ أمواتِ
أمي صدقتِ .. فذاكَ الأمرُ أعرفهُ
لكنَّ فقدَكِ ذا أقوى المصيباتِ
جراحُ قلبيََ يا أماهُ نازفةٌ
من بعدِ فقدِكِ قد فارقتُ راحاتي
قد كنتِ ملءَ عيوني دائماً أبداً
ماتتْ بموتِكِ يا أمي مسراتي
لما أردتُ رثاءً فيكِ أنظِمُهُ
جادتْ دُموعيََ واستعصتْ عباراتي
قد صارَ دمعي دماً.. إني سأسكُبُهُ
إني سأملأ ُمن دمعي المحيطاتِ
ماذا أقولُ .. فشعري لا يطاوعني
« يا ليتني مِتُّ » لم أكتبْ رثاءاتي
أعوذُ باللهِ أن ألقاهُ معترضاً
فالعينُ تدمعُ يا أغلى الحبيباتِ
والقلبُ يحزنُ لكنْ قولُنا أبداً
إنَّا ارتضينا أيا ربَ السماواتِ
لو ابتغينا لنا في الأرضِ من نفقٍ
أو قد صعدنا إلى أعلى الثرياتِ
هل نستطيعُ سِوى التَسليمِ مِنْ عملٍ
حتى نُجازى بموفورِ الجزاءاتِ
اصبر بُنيَّ فكم في الله من عوضٍ
عن كلِ شئٍ فذا ربُ البرياتِ
لا تحزنَنَّ لموتى إنه فرحي
بدأتُ لما أتى تحقيقَ غاياتي
قد كنتُ أرجو لقاءَ اللهِ من زمنٍ
فحققَ الله ما تصبو له ذاتي
إني أتيتكَ يا ربى على عَجَلٍ
فاكشفْ ليَ السِتْرَ عن قدسِ الجلالاتِ
طَالَ اشتياقي إلى لقياكَ يا أملي
أجْزِلْ إلهيَ لي منكَ المثوباتِ
واجعلْ إلهيَ ثوبَ السِتْرِ يشملني
فإن سِتْرَكَ لي أغلى مراداتي
نادانيَ اللهُ لما شاءَ يقبضني
فلذَّ في مسمعي حسنُ المناداةِ
فلتدخلي في عبادي اليومَ راضية
ولتدخلي برضايَ اليوم جناتي
قد قالَ ربِ « ارجعي » يا طيبَ قولتهِ
على الفؤادِ فذا مأمولُ غاياتي
وا فرحتاهُ .. فربي ما بهِ سخطٌ
وهو الكريمُ عفا عن كلِ زلاتي
سبحانَ ربىَ بالفردوسِ أكرمني
وقد قضى لي ربي كلَّ حاجاتي
إن الكريمَ إذا ما الضيفُ حل بهِِِ
فلا تَسَلْنِيَ عن قدرِ الكراماتِ
واللهُ أرحمُ بي منكم أيا ولدى
فكم لربي عندي من عطاءاتِ
في جنةِ الخلدِ لا خوفٌ ولا حَزَنٌ
بل السرورُ حليفي طولَ أوقاتي
في جنةِ الخلدِ لا لغوٌ ولا نصبٌ
إلا السلامُ .. كذا حسنُ العباراتِ
تسليمُ ربىَ والأملاكِ نسمعه
عند البكورِ وأيضاً في العشياتِ
والطيرُ حوليَ فوق الأيك ساجعة
تشدو وتشدو بألحانٍ جميلاتِ
من كلِ فاكهةٍ نختارُ يا ولدى
ولحمِ طيرٍ كذا باقي الملذاتِ
أما الشرابُ فخمرٌ لا تُغيبنا
عن السماعِ وعن حسن المناجاةِ
والحورُ ترفل في الجنات يا ولدي
في خير ثوبٍ وفي أحلى ابتسامات
لكمْ تمنيتُ أن أهديكَ واحدةً
فاعملْ وجِدَّ لتحظى بالحفاواتِ
ما شاهدتْ قطُ عينٌ مثلَ طلعتِها
حقاً ففي حسنها كلُ النضاراتِ
قمْ قدم المهرَ للرحمنِ يا ولدى
من حسنِ ذكرٍ وترتيلٍ لآياتِ
ومن صلاةٍ بجوفِ الليلِ تُحسنها
واجعلْ حياتك دوماً في الإطاعاتِ
قد قالَ ربُكَ « ألحقنا...» أيا ولدى
فافهمْ ففي قولِهِ حسنُ الإشاراتِ
سنلتقي بجنانِ الخُلْدِ عن كَثَبٍ
فاعملْ بُني إلى وقتِ الملاقاةِ
لا تحزنَنَّ فما الأحزانُ نافعتي
واصبرْ ففي الصبرِ تخفيفُ المصيباتِ
الله قدَّرَ والأقدارُ نافذةٌ
أينَ المفرُ؟! وربى أمرُهُ آتِ
هذا طريقٌ لنا والكلُ يسلكهُ
جميعُنا ميِّتٌ أبناءُ أمواتِ
إني لأرجو دعاءً منكَ ينفعني
في ظلمةِ الليلِ.. في وقتِ الإجاباتِ
وأنتَ في فسحةٍ ما دُمْتَ في أجلٍ
زرني كثيراً ولا تقطعْ زياراتي
تصدَّقَنَّ على روحي بما ملكتْ
يوماً يداكَ ففي هذا مسرَّاتي
وصِلْ بحقيَ أرحاماً قد انقطعت
واحفظْ بودِكَ لي دوماً بُنياتي
جيرانَنَا اليومَ عاملهم بمرحمةٍ
وعَامِلَنَّ بإحسَانٍ صديقاتي
واطلبْ ودادَ أبيكَ العُمْرَ يا ولدي
واسألْ إلهكَ تخفيفَ المعاناةِ
عِدْني بفعلِ الذي أرجوهُ يا ولدى
واعلمْ يقيناً بأنْ في ذاكَ مرضاتي
أمي اطمئني فذا عهدٌ أنفذهُ
لو لمْ يعُدْ ليََ إلا بِضْعُ ساعاتِ
أهدى إليكِ سلاماً كلما طَلَعَتْ
شَمْسٌ وإن غربت أهدى تحياتي
أدعوكَ ربي جميلَ الصبرِ تمنحني
أو أن تُعجِّلَ ربِّي باللقاءاتِ
يا ربُ واجعَلْ جِنانَ الخُلدِ مسْكَنَها
مَعَ النبيينَ في أعلى المقاماتِ
****