علم العروض و القافية
في عيوب القافية و الوزن الشعري
العروض و القافية ، علم يتعلق بالوزن الشعري ، و بالشروط و الأوزان التي يتوجب على الشاعر التزامها و مراعاتها في نظم القصائد . وبالنظرالى ما يقع فيه العديد ممن يكتبون الشعر ، من أخطاء عرو ضية ، أو عيوب في القافية / ارتأيت أن اكتب عن بعض هذه العيوب الشعرية ، التي يتوجب على الشاعر تجنبها ، لتكون قصيدته ، بعيدة عما يشوبها من عيب ، قدر الامكان .
و لا بد من القول ، ان كثيرا من كبار الشعراء من الجاهليين ، و من جاء بعدهم من الشعراء ، خاصة في مرحلة مبتدئة من حياتهم الشعرية ، قد وقع في أخطاء في القافية خاصة ، كما حصل مع النابغة الذبياني ، و الفرزدق و غيرهما من الشعراء . لا مجال لذكره هنا .
قد يقول قائل في نفسه ، ما لنا و لهكذا موضوع .
حسن ، لابأس .. أقول :
كيف لنا أن نتذوق الشعر العمودي بشكل صحيح ، ان لم يتهيأ لنا الشعور بوجود الخطأ فيه ؟ .. وكما أن المتلقي ، لا يستطيع فهم المعنى الصحيح في شرح بيت من الشعر ما لم يكن ملما بالنحو و الصرف في اللغة العربية ، كذلك فان تذوق المعنى الجميل لا بد فيه للمتلقي من أن يكون ملما الى حد ما بالموسيقى و و أن يلم بقواعد العروض و القافية والاذن الصحيحة ،التي تتلمس فيه الخطأ ، فيكون فهمنا للمعنى و تذوقنا للشعر صحيحا و سليما .
لقد أضحت بحور الشعر و أوزانها معروفة ، وقد درسها أغلبنا في المدارس و المعاهد و غيرها .. و هي البحور الخمسة عشرالتي وضع قواعدها الخليل بن أحمد الفراهيدي و زاد عليها " الأخفش " الشاعر ، البحر السادس عشر . لذا لن أخوض في أوزانها و عيوبها ، فهي بحر عميق لا قرار له ، الا ما ندر .. و على سبيل المعلومة الطارئة .
وسأبحث في بعض عيوب القافية ، وهو ما قد يقع فيه الكثيرون ، و سأحاول نشرها في عدد من الحلقات ، علنا نستفيد منها جميعا .
يعتقد الكثيرون أن القافية هي هذا الحرف الأخير الذي ينتهي به البيت الشعري .. كاللام او الراء ، او الباء أو غيرها .. فهذا الحرف هوما يسمى " الروي " .. فيقال قصيدة رويها الراء أو الباء أو الميم .. الخ .
والقافية هي في الحقيقة مجموعة الحروف التي تشكل اللفظة الأخيرة من البيت و التي ينتهي بها البيت الشعري ، و تتحدد القافية ، بآخر حرف ساكن الذي يأتي قبل حرف الروي ، مضافا اليه الحرف المتحرك الذي يسبق الحرف الساكن المذكور مباشرة ، فمجموع هذه الحروف ، التي تبدا بما قبل الحرف الساكن الأخير مع باقي الحروف الأخيرة ، هي التي تكون ما يسمى " حروف القافية " .
و بالتالي ، لكي تكون القصيدة متوازنة و القافية مطمئنة وسلسة عذراء لا خطأ فيها ، يجب أن تكون مجموع هذه الحروف في البيت و ما يليه من أبيات منسجمة و متفقة ، و الا اعتبر ذلك خللا ، و اعتبرت القافية معيبة . فيجب أن تكون هذه الحروف متفقة من حيث الحركة و السكون فيما بينها في جميع الأبيات اللآحقة ..
مثال على ذلك قول المتنبي :
و اني لمــن قـــوم كأن نفـــوسهم ... بها أنَفٌ أن تسكن اللحمَ و العظْما
كذا أنا يا دنيا ، اذا شئتِ فاذهبي ... و يا نفسُ زيدي في كرائهها قدْمـا
ففي البيت الأول : نرى أن أحرف القافية هي " عظْما " فحرف الظاء هو الحرف الساكن الأخير ما قبل الروي ( باعتبار أن روي القافية هو حرف الميم المتكرر في جميع الأبيات اللاحقة ) و حرف العين هو الحرف المتحرك قبله مباشرة
أما البيت الثاني : فان حروف القافية هي " قدْما ". فحرف الدال هو آخر حرف ساكن قبل حرف الروي ، و القاف هو الحرف المتحرك قبله مباشرة .
و يسمى هنا حرف الألف الذي انتهت به حروف القافية .. بألف الخروج .. كما يسمى الحرف الساكن ما قبل حرف الروي اذا كان ، واوًا أو ياًء " الردف " لانه يردف حرف الروي . مثال : قديما .. سموما .. رحيما .. نجوما ,, و يمكن أن يقوم حرف الياء مقام حرف الواو أو العكس .. و لكن لايمكن لحرف الألف اذا جاء قبل الروي أن يقوم مقام أي من الحرفين المذكرين أو أن يقوم الحرفان المذكوران مكانه .. و يسمى حرف الألف السابق لحرف الروي بالف التاسيس .
و لو أردنا تكملة بيتي المتنبي فلا بد من استعمال ألفاظ تشتمل على حروف القافية التي تماثل : " سهما ، لحما ، شحما ، سلما ، دهما ..الخ .." و بالتالي فانه فلا نستطيع أن نضع كلمة تتكون من مجموعة من الحروف تماثل هذه الكلمات التالية : " ساهما ، قديما ، سموما " أو " مبتسما ، منظما ، مقسما .. الخ " لأن حركات هذه الألفاط اختلفت غن حركات بيتي المتنبي اللذين أوردناهما سابقا , و بالتالي اختلف الانسجام ونكون قد وقعنا في العيب و الخلل ، فهذه لا تنسجم مع حروف القافية الأصلية التي ابتدأنا بها و بالتالي فقد اختلت القافية و أصابها العيب .
مثال آخر قول لأعشى باهلة :
فلمـــــا رأينـــاهم دلفنـــا لجمعهم ... بأرعـــن جرار عظيم المنــــاكب
و شكت بأطراف الرماح جلودهم ... فمن بين مقتــــول و آخر هــارب
فلو أردنا معرفة القافية و حروفها هنا و اذا ما طبقنا مبدأ الحرف السكن الأخير و الحرف الذي قبله .. فهي هنا في البيتين السابقين الأحرف أو لفظة " ناكب " في البيت الأول .. و "هارب " في البيت الثاني .. و الألف هنا في الكلمتين المذكورتين ، هي ألف التأسيس ولا يمكن وضع بدلا منها حرفا صوتيا أخر كالواو أو الياء . كما لا يمكن أن نورد قافية على شكل " مشرب // مهرب ..مكسب " أو " قباب .. سحاب .. رحاب " لاختلاف الحركات
مثال ثالث قول النابغة الذبياني :
من يطلب الدهر تدركـه مخالبـــه ... و الدهر بالوتر ناج غير مطلــوب
ما من أناس ذوي مجد و مكـــرمة ... الا نشد عليــــهم شدة الذيــــــــــب
حتى نبيــد على عمــــد سراتـــهم ... بالنافذات من النبل المصـــــــابيب
اني وجدت سهام الموت معرضة ... بكل حتف من الآجــــال مكتــــــوب
نرى هنا كيف انقلبت الواو ياء في قافية الأبيات .. أو الياء واوا .. الا أنه لا يمكن قلبها ألفا اطلاقا .. أو العكس
أما حرف الألف الأخير ، في أبيات المتنبي المذكورة ، فلا يمكن اعتباره رويا ، كونه حرفا صوتيا أتي بعد الحرف الصامت ( حرف الميم ) تكرر في جميع الأبيات
أما اذا تغير الحرف الصامت ما قبل الألف ، عندئذ يصبح هو حرف الروي نظرا لتغير الحروف التي قبله في الأبيات اللاحقة . فالألف في مثال المتنبي ليس هنا " رويا " ، و انما يسمى " خروجا "
أرجو أن أكون قد وفقت في العرض .. و أن لا أكون قد وقعت في خطأ ما .. فان وقع أرجو التجاوز عنه .. و قد جل من لا يخطئ
وشكرا لكم
........
خالد خبازة
اللاذقية