بعنوان " لابابَ هنا كي أقُول دخَلت ... "
لا بابَ هنا كي أقولَ دخلتْ
فلا أمي آلمها المخاضُ
و لا بكيتُ خوفاً من زغاريدِ القابِلة
وُجِدتُ كاملَ الصفاتْ
ألسكونُ شاهقٌ كمئذنةٍ
يخدشُ صمتَه ضوءٌ نبيلْ
ربما نِمتُ قليلاً
لا تعبُ السباتِ أرهقني
يحيط لغزُ الوجودِ بالفراغِ
لا ذكرياتٌ ، لا أمنياتٌ
أسيرُ بين الواقفينَ الحائرينَ
أبحثُ مثلهم
لا سحابةٌ فوقَ رأسي
تُشكلُ كائناتٍ خرافيةً
ترسمُها الرياحُ
و تجرفها بعيداً أصابعُ الصدى
تذكرتُ امرأةً
إستدرجتُها للخطيئةِ بنصفِ ابتِسامةٍ
سألتُ من أنا
ماذا كنتُ ، وماذا سأكونُ بعد قليلْ
بعدساعة سنةٍ من الآن ...
ألصمتُ يحبو في لذتهِ
يغافلُ صمتَ المكانْ
و عذريةُ أغنيةٍ لقيتْ حَتفها
على يدِ عازفِ الكمانْ
و استسلمتْ لمصيرها
و هذه الأرضُ غير الأرضِ
قلبي يلسعني نبضُه
أبحثُ في وجوهِ النساءِ عن أمي
عن جسدٍ ظليلْ
بحثتُ في جيبي عن بطاقةِ هُويتي
فقد تستوقفني مصادفةً دوريةُ الأمن ....
لا شيئَ يدل عليَّ
و هل من خليلٍ في هذا المكانْ
تحرسهُ دمعةٌ يحرسها خليلْ
رائحةُ الترابِ تملأُ خلايا جسدي
هل من أحدٍ كانَ قبلي هنا
يدلني عن هواءٍ بحري هنا
كي أتذكرَ طعمَ بلحِ البحر
و يذَكِّرني ملحهُ بوجهِ أمي
أستنشقُ نكهتَها ، أحملها على كتفي
بيدي أرسمُ طريقاً لها
إلى شاطئٍ كي تُجدد وضوءها
لا ملامحَ أذكرُ
كي أتعرفَ على الواقفينَ الحائرينَ
لا عاصفةَ تستدرجُ غيمةً تظلل العابرينَ
و لم أسألْ
أينَ ثيابي أنا ، أينَ حذائي
ألمكانُ تنقصهُ أرضٌ
لا بابَ هنا كي أقولَ دخلتْ
لا ليلَ كي أتاملَ بزوغَ القمرْ
لكي أقارنَ تاجه الفضي بوجه حبيبتي
فتستسلمُ لمكرِ المديحِ
تتوسدُ ذراعي ، وتنامُ كالحديقَةِ
في ضفائرها ، أشم رائحةَ المطرْ
لا بابَ لأخرجَ ، ولا بابَ هنا كي أقولَ دخلتْ
يملأني عن آخري نوع آخرَ من الضمأ
أسير قدمايَ لا تحملني ، لا أسيرْ
نسيتُ أنها نسيتْ مهنةَ السَّفرْ
لابابَ هنا لكي أقولَ دخلتْ
لا مدينةَ كي أتيهَ وراءَ امرأةٍ في الدروبْ
لا وجهَ أعرفُ ...كي أسألْ عن هنا و ماذا أفعلْ ...!
و لا أجراسَ تشعلُ حولَ أَرزةٍ فتيلَ الحروبْ
لا طيورَ فوقي عائدةٌ إلى أعشاشها مساءً
تساعدُ بوصلتي كي تستمتعَ بالغروبْ
لا صبيةَ يلعبونْ
و لا روادَ مقهى الحي يدخنونَ ويسخرونْ ...
أو يُعاكسونَ ظَبيةً
و لا زوجةَ تؤنسني
ظننتُ أن الذي تركتهُ و ما جنى
سيعرفني ، أم أنني لست أنا...!
وحدي في وحدتي
أُقلِّم أظافري كي يمرَّ الوقتْ
و الوقتُ هنا لا وقتْ
لا وقتَ لأحتفي بالذكرَياتْ
ألفراغُ ممتلئٌ عن آخرهِ
إلا من حفيفِ أجنحةٍ لكائناتٍ يملأها طعمُ الندى
ألهواءُ مكيف يحمل جسمه الرتيبْ
فلا الذهابُ إلى الأمام ممكنٌ
و لا الرجوعُ للوراء ممكنٌ
و لا حبيبةً خرجت من ضلع الحبيبْ
تتحمل إثم الوضوءِ كاملاً
و تهديه ليلةً بطعم الزبيبْ
ألهواءُ مشغولٌ بسحرِ المَكانِ
رأيتُ عازفاً خائفاً
يطارد فراشةً لكي يصنعَ من حفيف جناحيها أغنيةً
لا زوجَ أمي يناديني بإسمي
كي أتذكرَ إسمي
غريبٌ أنا وحدي في غربتي
هل كلنا غرباءْ ...!
لا بابَ هنا لكي أقول دخلتْ
على كتفي أحملُ ما قلتُ و ما فعلتْ
قبلةً كنت سرقتها من شفتينِ
و فجراً إستسلمتُ للنومِ في سجايا امرأةٍ
و حمامةً كسرتُ بيضها يدفعني الفضولْ
تذكرتُ رائحةَ أمي
يوجعني إسمي
تنقصني بيعةُ الفصولْ
لم أسمع بني أُميةَ تحتفي بشاعرها
و تُربِكُ القبائلْ ...
رأيتُ لحظتي تفرُّ من حاضِرها
لم أسمع قهقهةَ جانكسخان ترعبُ الأيائلْ
رأيتُ امرأةً تُعلمُ حيرتَها كيف تنتصرْ
على حيرتِها ،تمنيتُ لو رأيتُ حنظلة
أعرفُ منه سرَّ صمتهِ
سألتهُ عن أسبابِ قتلهِ
أخدتُ صورة لابتسامتهِ الماكرةِ قبل موتهِ
وبختهُ قليلاً ...
و أخبرتهُ عما قال أعداؤه
فهل كان يعتذرْ ... !
لا بابَ هنا لكي أقولَ دخلتْ
تذكرتُ رائحةَ قهوة أمي
و خبزَ أمي
دعاءَها لي بعد الصلاةِ
قُبلتَها على جبيني
ألمكانُ مفتوحٌ عن آخرهِ
لكنه مغلقٌ عن آخرهِ
كم وقفتُ ،كم لبثتُ أنتظرْ ...
فلا بابَ لأخرجَ
و لا بابَ هنا كي أقولَ دخلتْ ...
الشاعر أحمد بوحويطا أبو فيروز
* المغرب *