(لا تحزن.....تحيا مصر) مقالة بقلم الشاعرة / سلوى متولي
باحثة دكتوراه، لغة عربية ( أدب ونقد )
كلية الآداب ، جامعة القاهرة
من الطبيعي أن يمدح الشعراء مصر؛ لما تتميز به من صفات الحضارة والجمال والتفرد،فمن ذا الذي لا يحب القمر؟ تلك البلد التى ذكرت في القرآن الكريم في حوالي خمسة مواضع،سكنها يوسف عليه السلام، ونشأ على أرضها موسي ، ومر بها عيسى عليه السلام، ويقال نوح وإبراهيم عليهما السلام، بلد طاهرة مطهرة ، تمناها بنو إسرائيل، وحلم بها كل دخيل، فعصت على الطغيان، وأذاقت عدوها الهوان، ولعمري ماذا يفعل أي معتدي ، وجندها ( خير أجناد الأرض ) ، ورب العباد أراد لمصرنا الخير بأن جعل فيها الأمن فقال عز وجل ( ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين ) .
.......................................
إلا أنني تفاجأت ذات مرة ، وأنا أقرأ تاريخ المتنبي، فقد هجا مصر الأبية ، فسألت نفسي لماذا هجاها المتنبي ...وإذا بي أعرف أنه هجا مصر وحاكمها كافورا، بسبب المال، فقد رفض كافور أن يعطي المتنبي مالا نظير مدحه إياه، مثلما كان يفعل معه سيف الدولة الحمداني، وإن كان هذا يدل على شيء فإنه يدل على ذكاء كافور، فقد علم أن مدح المتنبي المدفوع الأجر هذا ، حتما سينقلب هجاء إذا توقف عن دفعه، أضف لذلك شجاعة كافور وبعده عن هوى النفس التي تميل إلى الهوى وتركن للخيلاء، والزهو ، فما فعله كافور يحسب له، نأتي للمتنبي كيف كان رد فعله : هجا مصر والمصريين وحاكمهم لأجل المال ، وهو ما يحسب على المتنبي رغم الحكم له بعظمة شعره ، وتفرد بيانه، فانظر كيف هجانا المتنبي لأجل المال....يقول:
الزمان
إنى نزلت بكذابين ضيفهم
عن القرى وعن الترحال محدود
جود الرجال من الأيد وجودهم
من اللسان فلا كانوا ولا الجود
ما يقبض الموت نفسا من نفوسهم
إلا وكان فى يده من نتنها عود
أكلما اغتال عبد السوء سيده
أو خانه فله فى مصر تمهيد
العبد ليس لحر صالح بأخ
لو أنه فى ثياب الحر مولود
لا تشتر العبد إلا والعصا معه
إن العبيد لأنجاس مناكيد
جوعان يأكل من زادى ويمسكنى
لكى يقال عظيم القدر مقصود
...................................
لقد هجانا بالبخل وبأننا عبيد وأننا نقاد بالعصى ....كل ذلك لأجل المال، وجعلتني أتأمل كل خائن لمصر ، أقارنه بالمتنبي، فلا يخون مصر التي آوته إلا جاحد ، ولا يسبها إلا منكر فضل، نحن المصريون ما أهابنا هجاء، ولا أزلنا أعداء، عاشت بلادنا رغم كل حاقد، وتأبت على كل جاحد معاند، فعصا أطفالنا سيف جلاد، وأرواحنا فدا كل ذرة تراب من أرضها، تلك التي يهام بها ولو في الجنان كما قال شوقي:
وطني لو شغلت بالخلد عنه
شاغلتني إليه في الخلد نفسي
..............................