مقالة بعنوان ( النَّقدُ العَربي فَاقِدُ الهُوِيَّة..) بقلم الشاعرة/ سلوى متولي
باحثة دكتوراه ، لغة عربية ( أدب ونقد )
كلية الآداب، جامعة القاهرة
جرت عادة النقد النظر للآداب والفنون من خلال منظور يحمل هويتها، فمن خلال تطور الموروث،وقواعده الفنية وأدواته الإبداعية،يتكون معيار النقد السليم، وهذا ما يحدث في جميع أنحاء العالم، ولا نقول كل دولة مفردة لها نقدها، وإنما كل مجموعة بلاد تربطها صفات وروابط واحدة، يكونون من خلالها وطنا متميز الهوية، وصلب الروابط. فنجد الأدب الإنجليزي مثلا يستمد معايير نقده من داخله وليس من بلاد أخرى كالعربية مثلا، فحاشا أن ينحرف فكرهم للتدني ولا للمغايرة،وهكذا كل أصحاب حضارة قوية الجذورتعتز بذاتها وقوميتها،وذلك نفسه ما يعلو بشأنها.
...............................
والأدب بالنسبة للوطن مرآة تعكس حضارته، التى من المفترض أنه يعتز بها ويحترمها،وأما الوطن العربي فقد نظر لذاته نظرة احتقار، فترك المألوف وراح ينظر لآدابه من خلال معايير عالمية.ويبدو أن العرب اعتقدوا الحضارة الجديدة ستأتي بالخروج عن هويتهم، والتمسك بأزيال حضارة الغرب، وهو ما يعني اتهامهم لذاتهم،وإبخاسهم حق حضارتهم القديمة.
ولا نقول للمرء بهذا الكلام أن يغلق على نفسه أبواب ونوافذ الثقافة،والتحضر، وإنما عليه النظر بعيدا كما يشاء،يستلهم الرقي من هنا وهناك، لكن دون أن يسعى هائما على وجهه، فيفقد جذوره ويتبرأ منها،دائم التنقل في ضلال الفكر، وعشوائية الثقافة..
.............................
فإن قيل لك أين مدعاتك في ترك الجذور؟ فقل لهم أن ينظروا كيف ترك العرب توصيفاتهم للشعر من مدح وهجاء وغزل وغيره إلى توصيفات لمدارس غربية: كالكلاسيكية، والرومانسية،وإلا فمن أين لهم تلك المسميات التي تنطق بغربيتها ومنهجيتها. فإن قيل لك إن النقد العربي يفتقد للتوصيف الإجمالي فقل لهم: عذر أقبح من ذنب، فقد ركن النقاد العرب لاستجلاب نواقصهم جاهزة من الغرب دون إعمال الفكر العربي الهوى والضمير.
وامتدادا لخطأهم راح الأدباء يهربون من النقد بالتزام القواعد والمناهج الغربية ، تملصا من العيوب، وإرضاء للنقاد.وهكذا.....
.................................
وتستطيع أن تضيف لجوانب الانفلات النقدي العربي ،تركه لقضايا المباديء والقيم والأخلاق في الأعمال الأدبية التي تعكس الحضارة العربية ، حيث أصبح كم الابتذال في آدابنا ككم القمامات التى نعاني كيف نتخلص منها. ذلك الابتذال الذي عده الأدباء نوعا من التميز والتفرد والجرأة، ومنذ متى كانت الجرأة في الإبدع شذوذا أخلاقيا وانحرافا فكريا.؟!
لقد نسي العرب عروبتهم والتزم الغرب بغربيتهم ، وقيمها، فعدنا نستقي الأخلاق منهم والآداب منهم ، ومناهج الآداب منهم، أطفأنا أنوار المعرفة فوقعنا في ظلمات الجهل والتخلف.
وللنقد دوره في هذا التخلف، فإذا كان موضوع النقد هو البيئة والإنسان، فإن النقد موضوعه الأدب، ومن هنا تأتي أهميته في تصويب الفكرالإنساني وتوجيهه للرقي والحضارة، فكيف يعطي الحضارة فاقدها؟!
....................................
إذا كانت الهوية في أبسط تعريفها تركن للغة فأين نحن من لغتنا العربية الفصحى ،لغة القرآن والإيمان، ولا نقصد بالفصحى العودة أو التمسك بما اندثر أو صعب من لغتنا العربية،وإنما استخدام اللغة البسيطة السهلة المبدعة في ذات الوقت، والتي تنقل الصورة بسلاسة للقاريء المثقف وغيره.
..............................
النقد في معناه الاصطلاحي هو( الكشف عن جوانب النضج الفني في الانتاج الأدبي وتميزها عما سواها عن طريق الشرح والتعليل،ثم يأتي بعد ذلك الحكم العام عليها). ومعنى ذلك أن للنقد دوران هما التفسير والتقويم،إذا فالنقد عامل أساسي ومباشر في نجاح العمل الأدبي،والأدب مطلقا. ولا يجب أن يكون النقد مجرد ذكر للعيوب، أو مدح للمميزات، فعلى الناقد أن يتخلق بالعدالة، كذلك وجب أن يكون الناقد موهوبا، فليس كل دارس موهوب، والموهبة تساعد الناقد على التقمص والغوص في مياه النصوص واكتشاف أعماقها بمهارة،وعلى الناقد ترك المواربة وإعمال الصدق والتزام الحق، فالناقد العربي انحرف فكرا عند البعض، وفكرا وخلقا عند البعض الآخر.وذلك إما لفساد خلق أو ضعف فكر أو قلة ثقافة وجهل، أو انعدام تفكير.
وللنقد دور كبير في النهوض بالأدب العربي من عثرته، ولكن إذا راجع نفسه، وعاد ينطلق من الجذور بثورة تصحيح تعترف بخطأ ترك الهوية العربية ووجوب إعادتها من جديد ....
30/1/2016م