الخديعة
بقلمى / تامر أبوطالب
*****************
جلس العجوز حاييم أمام بيته تحت شجرة التين يستظل بظلها
شاردا عمن حوله فى ذكريات الماضى تحت أوراقها المتساقطة
ولكنه أبدا لم يكن بيته أو حتى شجرته فهى أرض اجدادنا بما عليها وما فى باطنها
ولكنه نهبها وعصابات الغرب مثل اغلب اراضى العرب
وفجأة
قطع عليه خلوته صوت ابنه الأكبر دانيئيل وهو يهزه بكلتا يديه ويناديه ابى ابى اين ذهبت ؟
فرد ابيه عليه الى الماضى
الى الحلم الجميل
رد دانيئيل ولهذا اتيناك انا واخوتى ليصير الحلم حقيقة
رد العجوز حاييم إلام ترمى يا دانيئيل
قال دانيئيل يا ابى لقد صرنا قوة كبيرة ترهب كل من حولنا ويخشانا الجميع
ألم يئن لنا ان نحقق حلمنا ونغير على بلدة المسلمين العرب ونبيدهم اجمعين ونوسع ملكنا ونبنى على اجسادهم أوطاننا
فقال العجوز حاييم
وكيف السبيل إلى ذلك ؟
رد دانيئيل بالحرب يا ابى نعد العدة فالعتاد نملكها وبكثرة والرجال ما اكثرهم تحت امرتنا
فقال العجوز حاييم
يا ولدى هم رغم ضعفهم الظاهر ولكنهم أولى عزم وقوة بدينهم ولن تفلح معهم الحروب بل هى تستنزفنا اكثر مما تستنزفهم
رد الابن الأوسط حزئيل
قال يا أبتى وما رأيك بالنساء الغانيات فما اكثرهم فينا وتحت امرتنا
فقال العجوز حاييم لأبنه
يا ولدى سينعمون بنسائنا قليلا ويعيدهم فى لحظة أى مار منهم بهم فيذكرهم بدينهم فيأخذهم بعيدا عن دنيانا وكأننا لم نفعل شيئا إلا اننا
اهديناهم عن طيب خاطر نساؤنا سبايا لهم
فقال الابن الأصغر أرئيل
وماذا تريدنا ان نفعل يا ابتاه لقد اغلقت علينا كل الدروب والأبواب هل ترغب أن نستميلهم بالمال
رد العجوز حاييم على أرئيل
يا ولدى هم فيهم الزاهد والقانع والراضى ولن ينفعنا كثرة مالنا إلا فى شراء القلة من ضمائرهم فا وربى لن يكب المسلمين العرب على وجوههم تحت أقدامنا إلا الخديعة
فقال جميع الأبناء فى آن واحد إلام ترمى يا أبتاه
فرد العجوز حاييم انظرونى ماذا سأفعل
لبس حاييم وأبناءه رداء المسلمين الذى أعده لهم وقاموا بتهذيب شعورهم ولحاهم وحلقوا شواربهم وبعد ان اصبحوا فى هيئة المسلمين العرب اخذوا القوافل التى تعج بالمال وتذخر بما تشتهى الأنفس من بضائع وشدوا الرحال إلى بلاد المسلمين العرب لتحقيق حلمهم ومسعاهم
وصل العجوز وأبناؤه إلى البلدة وسألوا عن المسجد الكبير فأوصلهم أحد أبناء البلدة إلى غايتهم
دخلوا المسجد وانخرطوا فى الصلاة مع المصلين وبعد أن فرغوا من الصلاة
سأل العجوز حاييم عن كبير البلدة فأشار لهم أحد المصلين عليه فذهبوا إليه وبادروه بتحية الإسلام فرد الرجل السلام
فأخبره العجوز أن اسمه عبدالله وهؤلاء أبناءه على و احمد و عبدالرحمن جاءوا من بلاد بعيدة لوصية جدهم الأكبر الذى عاش منذ أمد بعيد فى هذه البلدة وعومل بكرم وحفاوة بالغين من أهلها وقبل أن يموت طلب منا أن نرد لكم المعروف ونحن أحببناكم دون أن نراكم لأنكم أهل كرم ومعروف وورثنا عن جدنا حب تراب هذه البلد الطيبة إلى حد العشق
فقال لهم كبير البلدة نحن نفعل هذا مع الجميع لوجه الله ولا نريد جزاءا ولا شكورا إلا من ربنا
ولكن عاجله العجوز حاييم المدعو بعبدالله وقال له أخى فى الله هذه وصية جدنا هل تريدنا أن نتغافل عنها ونضيعها ونصبح آثمين
فقال الرجل أبدا والعياذ بالله بل نساعدكم فى الخير على الخير
ولكن كيف ستنفذون الوصية وتردون دين جدكم الذى تزعمون ؟
فقال العجوز حاييم لا نبغى سوى قطعة ارض صغيرة وسندفع ثمنها ويزيد ، على أن نبنى عليها بيتا وحانوتا صغيرا للتجارة
ولكن لن نقبل منكم فى بضاعتنا مالا ولا ذهبا
فقال كبير البلدة ولكن كيف نشترى اذن منكم ؟!
فقال العجوز اللئيم حاييم اخبرتك اننا نعشق تراب هذه البلدة وسيكون ترابكم هو نظير بضاعتنا
فقال كبير البلدة كيف ذلك ؟!
فقال العجوز من يعجبه من أهل البلدة أى سلعة من تجارتنا نعطيه إياها بحفنة من التراب حتى لو كانت من الذهب الخالص
فتعجب كبير البلدة ولكنه قال هذا شأنكم وأعطيناكم ما تريدون
شاع خبر الغرباء الطيبين المحبين للبلدة ووصية جدهم وما جلبوه معهم فى قوافلهم الضخمة من خيرات ونعم لم يروها من قبل وتعجبوا ولم يصدقوا أن ثمن شراء أى سلعة حفنة من التراب
وذهب الواحد تلو الأخر إلى حانوتهم ليستوضحون الأمر
وفعلا كلما راق لأحدهم سلعة وسألوا عن ثمنها اخبرهم العجوز وأبناؤه بأنها بحفنة من التراب
وأصبح الجميع يحملون التراب ويعطون للعجوز اللئيم وأبناءه ويشترون ما تشتهيه أنفسهم
وتمر الأيام والأسابيع والشهور وأصبح جميع أهل البلدة يعتمدون على حانوت عبدالله وأبناؤه فى كل شيء
فلم يعد أحد يزرع او يصنع أو يفعل أى منهم شيئا ما كان
فبارت أراضيهم وكسدت تجارتهم ودمرت صناعتهم وحرفهم وأصبحوا كسالى
حتى الماء أصبحوا يأخذونه من حانوت عبدالله واستعصوا حفر الآبار
ولكن لم يعجب الأمر دانيئيل الابن الأكبر فقال لأباه يا أبتى هل جئت بنا لنصير خداما للمسلمين العرب ونهبهم أموالنا ويسخرون من بلهنا
بعد أن اصبحنا نملك جبالا من ترابهم وكنا نملك جبالا من الذهب
فرد العجوز اللئيم حاييم يا ولدى لم يعد إلا القليل فصبرا ولا تنتقص من عقل أباك المكير
فصمت الابن وظل مراقبا لما يحدث
وعلى الجانب الاخر من البلدة لا تجد إلا رجالا تحفر وتعبئ التراب لشراء حاجياتهم
فأصبحت البلدة خراب لم يعد هناك دربا ولا زرعا
لم يعد هناك من الأساس أرضا
وبعد حين شق على أهل البلدة وعورة الطريق المؤدى إلى حانوت عبدالله بعد أن أصبح مكانه عالى فوق جبال التراب
وهم يهبطون ويهبطون بطرقهم ومساكنهم وأنفسهم إلى أسفل سافلين
فاجتمع الناس وطلبوا من كبير البلدة أن يخاطب عبدالله أن يفعل لهم شيئا فلم يعودوا يملكون ترابا فما بقى من باطن الأرض ما هو إلا طينا مختلطا بالصخور وبفعل ارتفاع جبال التراب الشاهقة لم تعد اشعة الشمس تصل إليه لتعيده ترابا
ولم يعودوا قادرين على الصعود إلى حانوته الذى أصبح فوق قمة جبال من التراب
فذهب الرجل يلتمس طيبة العجوز عبدالله وأبناءه وأبلغه بما أرسله به أهل القرية
فقال له العجوز حاييم اللئيم أذهب يا أخى وطمئنهم وقل لهم سيأتيكم الفرج بعد صلاة العصر
ذهب كبير البلدة إلى أهله وأخبرهم بما حدث
وانتظر الجميع آذان العصر بفروغ الصبر وكأنهم يتقلبون على جمر من النار
وبعد صلاة العصر خرجوا ينظرون من دنو إلى عبدالله فى علو وينتظرون الخير الذى وعدهم به
وهنا نادى العجوز اللئيم حاييم على ابنائه
وقال لهم الآن حان الوقت
فقال له أبنه الأصغر أرئيل أى وقت يا أبتى وإلام ترمى
فقال له والده ووجه الحديث لجميع أبناؤه
انظروا على المسلمين العرب وهم يقفون هناك فى أسفل سافلين وانتم هنا فى أعلى عليين ماذا تشعرون
فقال الابن الأكبر دانيئيل وكأننا ملوكهم يا ابتاه
فقال العجوز لم اقصد هذا
فرد الابن الأوسط حزئيل فقال :
" وكأنهم حفروا قبورهم بأيديهم وانتظروا رحمة منا أن ندفنهم ونريحهم من عذابهم "
فرد العجوز اللئيم أحسنت يا بنى
هيا أجمعوا الرجال وادفنوهم
وابنوا على أجسادهم دولتكم العظمى
فهرع الأبناء ونادوا على رجالهم وأمروهم بتنفيذ أوامر أباهم
وفى الأسفل رأى أهل البلدة الرجل العجوز وأبناؤه ورجاله يهيلون التراب على رؤوسهم ففزع البعض بعد أن فاقوا من غفلتهم لأنهم علموا بأنها النهاية وهم من حفروا قبورهم بأيديهم واستحقوا العقاب
ولكن ظل هناك الكثير منهم معتقدا فى طيبة العجوز وكرمه
و بأنه يعيد لهم ما أعطوه إياه من ترابهم
فعاشوا وماتوا على الوهم
فى هذه الآناء مر بهم رجلا حكيما وعندما رأى حالهم فقال
" هكذا حال من جهل ماضيه وبمستقبله على عدوه ارتكن"
تامر ابوطالب
البيت من قصيدتى " الباحث عن العروبة "