ولد الهدى بقلم علي الشافعي
الاصل ــ ايها السادة الافاضل ـــ كما يرى كثير من علمائنا الافاضل : ان الله سبحانه شرع لنا عيدين , نفرح فيهما ونحتفل كما نشاء , ولا يجوز الاحتفال بغيرهما من الاعياد . لذا فمراسم تزيين المدن في ذكرى المولد النبوي هي من البدع , التي ما عرف عن احد خلال القرون الثلاثة الأول قام بها , وكذلك المسيرات الشعبية , وبخاصة تلك التي يصاحبها قرع الطبول والات النقر والنفخ والطبخ والاكل وتوزيع الطعام والحلوى التي تمارسها بعض الفرق عندنا .
لكن الذي لا بأس فيه هو ان نتخذ من هذه الذكرى مناسبة لعقد الندوات والمحاضرات , نستذكر فيها سيرة عطرة لرجل عظيم اصبح امة بعد عقد من الزمان . نستذكر سيرته الطاهرة ونستخلص من معاناته المواقف والعبر . نستذكر مواقف الرجولة والبطولة يوم ان بُسطت له الدنيا فقال : ( والله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على ان اترك هذا الدين ما تركته او اهلك دونه) . نستذكر يوم عودته من الطائف طريدا كسير القلب , فيجلس الى جدار وهو يدعو بكلام يتفطر له القلب : « اللهم إني أشكو ضعف قوتي, وقلة حيلتي وهواني على الناس , ياأرحم الراحمين ، أنت رب المستضعفين ، وأنت ربي ، إلى من تكلني؟.... إن لم يكن بك غضب عليّ فلا أبالي». نستذكر ذلك الحصار الجائر المرير في شعب ابي طالب , الذي اَضطره ومن معه لأكل اوراق الشجر وجلود الحيوانات الميتة . نستذكر هجرته عليه السلام من مكة الى المدينة ومكوثه وصاحبه في غار ملئ بالأفاعي والعقارب ثلاثة ايام بلياليها . نستذكر بدرا واحدا والخندق ونستخلص منها العبر التي نحتاجها اليوم في ادارة معاركنا من الاعداء . نستذكر فتح مكة والتسامح الذي ابداه مع من حاربوه واخرجوه من دياره , يوم ان قال لهم : (اذهبوا فانتم الطلقاء) . نستذكر جيوش الفتح الاسلامي شرقا وغربا , لتصبح في غضون قرن من الزمان اكبر واعظم دولة عرفها التاريخ ؛ من حدود الصين شرقا الى اسبانيا غربا , ومن الولايات الجنوبية للاتحاد الروسي شمالا الى بحر العرب والمحيط الهادئ جنوبا , تُحكَم بكلمة واحدة تصدر من بلاط عاصمة الخلافة في دمشق . نستذكر حضارة بني العباس وتقدمهم في شتى انواع العلوم من الطب الى الهندسة والرياضيات والفلك , في عصر ظلمة القرون الوسطى في اوروبا والتناحر والاقتتال الداخلي بينهم . نستذكر سماحة التعامل وسمو الاخلاق الذي كون اكبر دولة اسلامية ( اندونيسيا) دون قتال , بما ابداه التجار المسلمون من صدق معاملة ودمثة خلق . نستذكر تسامح المسلمين الذين اسقطوا الجزية عن اهل الذمة في سنوات القحط والمحل .
وبمناسبة القحط يذكر احد الاخوة العلماء الذين يذهبون الى شرق اسيا للدعوة يقول : جئنا قرية اغلب بيوتها من الصفيح , وصادف ذلك يوم المولد النبوي , فجاء بعض الاغنياء وذبحوا قرابة 20 عجلا , وطبخوا واكل اهل القرية واخذوا معهم ما يكفيهم اياما . فاستفسرت عن ذلك , فعرفت ان اهل القرية من الفقر بحيث لا يرون اللحم ولا يأكلونه الا في هذا اليوم من العام , وانهم ينتظرونه بفارغ الصبر , ولا يعرفون من هذه المناسبة الا اللحم . واثناء القاء بعض الدروس في المسجد سألني احدهم عن حكم الذبح في هذه المناسبة , فكرهت ان احْرِمَ اهل القرية من نصيبهم من اللحم الذي ينتظرونه من العام للعام , فقلت له لا باس به .
اقول سبحان الله حججت عام 1984فكان عدد الاضاحي التي ذبحت في مكة ذلك العام مليون ذبيحة بين غنم وبقر وجمال وانها بقيت ثلاثة ايام دون الاستفادة منها , ثم جمعت واحرقت لان العلماء حتى ذلك الوقت لم يجرؤوا على اصدار فتوى تجيز نقل هذه الاضاحي خارج مكة المكرمة . وبقي القوم بين اخذ ورد والاضاحي تحرق , والاموال تضيع سدى حتى فتح الله عليهم في اخر المطاف , فافتوا بجواز نقلها الى خارج مكة المكرمة فتبرعت بعض الشركات مشكورة بجمع اموال الاضاحي من الحجاج , وذبحها وتغليفها وتبريدها ونقلها الى المحتاجين من دول الجوار والعالم الذين هم ايضا ينتظرون هذه الاضاحي من العيد الى العيد.
هل تدركون ايها السادة كم اهدر من الاموال حتى تجرأ هؤلاء العلماء وتكرموا واصدروا فتواهم الميمونة . طبتم وطابت اقاتكم.