أوراق منسية
البارحة لا تخبروا أحداً،كنت في مكتبتي بعد العشاء ، سمعت ضجيجاًمن بين دفاتري القديمة لا ليس ضجيجاً وإنما أشبه بانتفاضة، على إهمالي الطويل المميت لها ،وتركها للغبار والأتربة .
شاهدت الكلمات كلمى تهتف ، عارية تحتج ، غارقة تستنجد ، فإذا بها بكل ما أتيت من قوة وضعف وعري ؛تهتف ضدي ، فشعرت في أعماقي أنني أحد الطواغيت ؛ فلذ لي هذا الشعور حتى دون أن أمارسه .
لكني من جهة أخرى تحركت أناملي، وراحت تمسح على وجهها الباهت الأصفر ،الذي هو لأهل القبور أقرب من الأحياء ،لكنها استوقفتني رغم ذبولها ، ورحت أسخر من سذاجتها وركاكة مذهبها، وكلماتها الخجلى التي تطل برأسها ؛ثم ما تلبث أن تتوارى عن الأنظار ،خلف معاني ضبابية لا يعرفها غيري .
رحت أفتح عيناً وأغمض أخرى خجلاً،لا أريد أن أرى بعضها وأتجاوز عن الأخرى ، واخجلاه أهذا أنا أهذه لغتي !تلك صوري !هذا أدبي !.
لكنني استدركت الأمر، وشعرت بالروح التي توثبت على عتبات البدايات ،وأمعنت النظر فيها فوجدتها قوية رغم ضعفها ، ثائرة رغم حيائها ،منتفضة متمردة رغم خنوعها ، رأيت فيها المعنى البكر ،واللبن الصافي ،والأرض البور الخصبة .
شعرت حينها بمشاعر طالما رافقتني عند تلك البدايات؛فيها الصدق والطمأنينة ،والتلقائية والفضول وراحة البال التي توارت مع قدرتي على لي أعناق اللغة ،واستسلامي لرأي النقاد في الالتزام بمواصفات العمل الجيد وقوالب جامدة رحت اسكب داخلها نفسي المنطلقة .وسألت نفسي هلا استطعت المزواجة بين هذه وتلك حتى أجد ذاتي الضالة .