*صدفة*
كان اللقاء صدفة جميلةً
على رمال البحرِ..
كان اللقاء مزهراً مشعشعاً
مع طلعة الفجرِ..
غرقتُ لا بالبحر بل بحسنها
غرقت في خمر الهوى في دنّها..
فالوجه تفّاحيّْ..
و الثغر لؤلئي..
و الشعر أمواج على أمواج..
يعلو معي كسلّم السُّولفاج
و ما يزال مبهماً جمالها
و ساحراً و مغرياً دلالها
وقفت جامداً مُسمّراً
كمرساةٍ من الفولاذ تستعصي الحراكْ
تبكي على براءتي الأسماك
و الشمس تقذف الشظايا تحرق
وجه الرمال..
فتعطش الجِمال..
في حضرة الجَمال..
أمّا أنا فما أزال
واقفاً أشدو النضال
و القحط يغزو نهد واحة العرب
بكّارة التاريخ صابها الجرب
أشعّةٌ جبّارة تغشي البصر
فكيف يهتدي إلى الدرب النظر..
إنّ السماء تمطر النار..
لتوقظ النيام و الغاز
و الرمل يحمي يحرق الأقدام
و تذبل الورود في الأكمام
و فجأةً أضعتها بين الزحام
لكنّني الهُمام..
ذهبت آملاً بعدل المحكمةْ
قضيّة عشقيّة مُسلّمة..
ليست بحاجة إلى برهان..
تحتاج صبراً يلبس الإيمانْ
وقفتُ عند الباب هاتفاً لهُ:
يا قاضيَ الغرام أنت المُنجدُ
و العيش دون الحبّ عيشٌ فاسدُ
قضيّتي أنّي وقعت بالهوى
غرقتُ أيّاماً بأحلام العسلْ
و اليوم أشتكي النوى أشتكي الجوى
هل من مفرٍّ أو طريقةٍ
لإنقاذي بقشّة الأمل
أجابني كما أبا الهولْ
دخلتُ في زنزانة الصمت العَفِنْ
و الخوف فوق الوجه كالبقّ النتِنْ
و الابتسامة التي أحبّها
تمزّقت تشنّجت فما العمل؟
إنّي أخاف اليأس و الفشل
و القلب شاهدي الأخير..
و مأملي بعدلكم كبيرْ..
فقال:إنّ العاشق الجبّار لا
يسأم..
و يصرخ الأبكمْ..
عليك أوّلاً بإيجاد الفتاةْ
فتح القناة..
و كسّرِ الصمت الذي يحيطكَ
مثل الصحون..
لينبت الزيتون و النعناع و الليمونْ
ليخرج النّور الجميل للحياةْ
ليرفع البحّارة المرساةْ..
و قُلْ لها بما تُريد أن تبوحْ
حتّى و لو بصوتك المبحوحْ
فالاعتراف وحده الذي يفيد
كي تطلق الأمّ الزغاريدْ..
فيعبق العبيثران و الحبقْ..
أو تقبّل الشقاء و القلقْ..
شكرتُ قاضيَ الهوى لحكمهِ
شكرت قاضيَ الهوى لنصحهِ
بحثتُ عنها و التقينا يا بشر
وذاب شوقنا كما ملح الحجر
لقاؤنا لقاء زهرٍ بالندى
لقاؤنا لقاء شمسٍ بالمدى
صارحتها و قلتُ للبحر الكبير
أحبّها أحبّها قول خطير
مات الضجر..
زال القَفر..
طرنا مع النوارسِ..
أقولها و يزبد النبيذ..
و تطرب العنادلُ..
و تحبل الصنادلُ..
فتؤمن النجوم أنّها القمر
و أنّها حوريّة السهرْ..
تُنير سقف العاشقين..
لينضج الغرام كالتّينْ..
و الضوء ينمو في القلوب ياسمين
و ينتهي الصداع دون الأسبرين
و تمطر السماء فوقنا عبير
أمّا السنونو مع مكاتيبي تطير
فتوقن الأوزان و الحروفُ
و الهدى بأنّها القصيد..
و أنّني بحبّها مجاهد
أواجه القيظ الشديد
و تشهد النقاط و الفواصلُ
و الحبر و الأقلام و الدفاترُ
أنّها أميرة الإلهام..
أنثى فتيّةْ..
ملائكيّةْ..
و يرسل العُلى شهاب
و يبصم المشلول بالإبهام
و يحلف الأطفال بالألعابْ
بالزينة التي على أشجارنا
بأنّها العيد..
بأنّها روح الربيع الأخضرِ
حظٌّ سعيد..
حبيبتي هديّةٌ
قد أرسلت إليّ من عند القدرْ
كغيمةٍ تهدي إلى ثغر الربا
العطشى الدّرر..
و أنّها صفصافة الظلال
بدر الدّجى و توأم الهلال
و أنّها مرجوحة العطرِ..
و دوخةٌ مع دوخة الُّسُكْرِ..
و مشرق الشمس البعيد
أحبّها أقولها كالأنبياء
فتفتح الخزائن الغنيّةَ
لنا السماء..
و يلثم الخلد النعامةْ..
و البوم يهدل للحمامةْ..
حتّى تجاعيد العجوز تختفي
و يشرب الفَراش شهد أحرفي
و تزهر القبابْ..
فيثمل الشراب..
و يثمر الزعرور..
ليأكل الشحرور..
و يقرأ الأشعار جهراً ببغاء
أحبّها أقولها قبل السفرْ
و حين قلتها تكاثر الزهر
تسلّق الفلّ النوافذ..
عانقت أكبر القنافذ..
أحبّها أقولها عند الرجوع
و قبل إعصار الدموع
أحبّها..
يُقسّم الأنغام عندليب
ربحتَ كلّ اليانصيب
و زقزق العصفور قرب النافذةْ
فحبّها الكريم أغلى جائزةْ
فحبّها أعارني مسامعَ
موسى الكليم..
سمعت آهات التماثيل
آه العروبة..
و صرخة النيل..
لأرجم العربانْ..
لأرجم الرجيم..
و حبّها أعارني عين اليمامةْ
رأيت دمعة التماسيح
شاهدتُ جنح الريح
و حين أرخى ليلنا ستارهُ
ضوء الفتيل أزهرت أنوارهُ
ركبتُ فوق قمّة الموجةْ
قطفتُ رغوة الزبد..
وضعتها بداخل الصَّدف
و قلتُ للورى أنا أحبّها
أحبّها و أعشق الصِّدفْ.
(بقلمي:نورالدين محمّد صبّوح,سورية