قصيدة بعنوان " حمامتانِ في انتظاركْ ..."
حمامتانِ تائهتانِ في الزمانْ
ذاهبتانْ ، أم عائدتانْ ...
تركضانِ في سرابٍ أزرقَ لاتتعبانْ
تقرآنِ على مسائي وصايا النَّدى
أنا على الأريكةِ منسيٌّ
تحملني موجتانْ ...
تبللانِ ريشَ حلمي الواقعي
و جسمي يحتسي رذاذَ مروحةٍ
تفتحُ شهوتي على البحرِ و الذكرياتْ
رائحةُ الطحالبِ تأخد مكانَ عطرها
تُذَكرني بها أُركيدتانِ نحيفتانْ
تقتسمانِ قبلةً و تنكسرانْ
تغلقانِ حولهما بابَ الوجودِ
و تأخذانِ وحدَتي من يدِها
و تملآنِ عروقَها بمكرِ الأُرجوانْ
و هي مجرةٌ شقراءُ شقراءُ
يؤرخ لفوضى النمشِ في بياضِها كوكبانْ
ينزلانِ ثم يصعدانْ
ينزلانِ ... يصعدانْ
يصعدانِ ، تفيضُ منهما دغدغةُ الثلجِ الحارقة
ينزلانِ كعاصفةٍ من نهوندْ
يُضرمانِ حرباً في جسدي بين البرقِ و الصاعقة
و يأخذانِي أعلى و أعلى ...
أخفُّ من ضفيرةِ دخانْ
و تلتفُّ هي حولي كالبرَدِ المُصفى
أراني كأني لا أنا
أجِفُّ ، أخِفُّ
أسيرُ ، أطيرُ
أجُاهدُ ، أشَاهدُ
أَبْردُ ، أدفأُ ، أتجمدُ
أَتحللُ ، أتجمعُ ، أتمددُ
أسبِّحُ ، أهلِّلُ
أموتُ ، أُبعثُ
أومنُ ، أجحدُ
أتوَحدُ ، أتعددُ
أتوددُ ، أتوعدُ
أَترددُ ، أضعُفُ ، أتمردُ
أُنصبُ نفسي على نفسي أميراً
مملكتي ، عرشي على ظهرِ حصانْ
حمامتانِ تائهتانْ
تركضانِ في سرابٍ أزرقَ لا تتعبانْ
ربما مثلي تصغيانِ لنبضِ ساعتي المريضْ
تمنيتُ لو تُقاسِمُني إحداهُما كأسي
أخبرها ، كانت لحزني شرفتانْ
تطلُّ منهما حفيداتُ يوسفَ العائداتْ
من تراثِ حزنهِ ، يتأَملنَ رائحةَ القميصِ
و يغرقنَ في الصلاةِ كالراهباتْ
حمامتانِ شاردتانْ
تائهتانِ في الزمانْ
تسبَحانِ في حدائقِ الفراغِ اللاَّنهائي
تتبادلانِ تهمةً ... ربما غزلاً
و تجهرانِ ... ربما
بالتعبِ بالعطشِ بالحنينِ مثلي إلى أندلسٍ
أتعبها الحديثُ عن فرسٍ تحملتْ عبءَ الصولجانْ
حمامتانِ شاهدتانْ
على بوصلةٍ أكلتْ من ثديها
لكي تسترد قبلةً خرجتْ عن طوعِ المجاز
هل هما ذاهبتانْ ...
لكي تصححا هُوِيةَ وترينِ توأمينْ
من أبوينِ مختلفينْ
أم هما عائدتانْ...
من شفاهٍ تركتها الآلهةُ عرضةً لساديةِ الأقحوانْ
هل هما ذاهبتانْ ...
هل هما عائدتانْ...
أمِ استفاقتا مثلي على حلمٍ
أطعمته يدُ النايِ غيمةً
و حاصرَته أظافرُ السنديانْ
حمامتانِ فضِّيتانْ
عالقتانِ بين عطرِها و نكهةِ الفجرْ
لا هما تصعدانْ
و لا هما تنزلانِ كأنفاسِ الكمانْ
رماديةٌ حفنة الهاءِ ، و طعمُ المساءِ
و أشعةُ الشمسِ و هي تبللُ شرفتي
و الكمنجاتُ تُسلي موشحاً
في فمِ الراقصاتِ مات حزناً
فهلِ اختلفت الرصاصةُ مع الذكرْ
حول سادية القدرْ ...
أم أن القناصَ أمهلَ الأنثى فرصةً
لكي يكونَ لكأسهِ الأخيرةَ معنى
فلا نشوةُ الحاضرِ تَغفرُ لانتظاري خوف ثوانيه
و لا ماضٍ يحرض ضد حزني أغانيه
فيفتحُ شهوتي على كأسِ نبيذْ
فهل أتعبَ الحمامتينِ في غيابِ عينيها الهديلُ
أم تقمصتْ نخلةً ليرضى عنها النخيلُ
على الأريكةِ أنا منسيٌّ ...
تُؤرقُ ليلتي في انتظارها
حمامتانِ تائهتانِ في الزمانْ
تركضانِ في سرابٍ أزرقَ لاتتعبانْ
فلا هما ذاهبتانْ
ولا هما عائدتانْ
الشاعر أحمد بوحويطا أبو فيروز
* المغرب *