/في الشام/
"1"
خُذْ نظرةً منها و لا تتعامى
في الشامِ خُلِقَ البدرُ تاما
يا بائعَ الإلهامِ كم من مدينةٍ
لم تُعْطي شاعرها إلا كلاما
لكن الشامَ تَسقي الشعرَ موهبةً
كنهدٍ أمٍ يأبى لكَ الفطامَ
هي المرويةُ في كُلِ نصٍ
صلاةَ قائمٍ أو زكاةَ من صاما
هي جذورُ البيتِ و الحَرَمِ
فوقَ الحجازِ تربعتْ عمامة
إني اتهمتُ في هوى جلقٍ
و من عشقَ لا يخشى اتهاما
خُذْ نظرةً منها و أخبرني
ألمْ تتخطى في حُسْنِها الأرقاما
دمشقُ قصيدةٌ بلغتْ معانيها
بلاغةَ المظلومِ إن قاما
صححتْ للشعرِ كلَ قصيدهِ
فأبى في غيرها المقاما
أدورُ حولَ الشامِ أرى حروفاً
من كلِ اللغاتِ تطوفُ
أتتْ لِتُقَفا برويٍّ دمشقيٍّ
فارتعشتْ لذةً من قوافي الشامْ
تُروى حديثاً في مُسْنَدِ أحمد1
وسفينةَ نوح في بحار الأنوار2
في دمشق نهرٌ يُشْبهُ العلمَ
يخترقُ كلَ شبرٍ مُقْفِرٍ
ليصيرَ بعدَ مرورهِ جنة
في دمشق العشقُ يُشْبهُ الخرافاتْ
كم من عاشقٍ انتحر
أو مَرِضَ
أو تصوَّفَ
العشقُ محركُ أهلها
و جمالُ نسائها لا يعرفُ الختام
في دمشق يصحو الليلُ على الأغاني
دمشقُ أصلاً مدينة لا تنام
مكان الكهرباء حلَ بياضُ نسائها
وسمارُ نسائها أكبرُ احتياطي للمسك
في العالم
عرقُ نسائها عطر
دمعُ نسائها كحل
صمتُ نسائها إلهام
في دمشق يرتاحُ الجنونُ
في مدينة تقبلُ الدين والإلحاد
تهدي من يشاءْ إن شاءتْ
و من لم يشأ تهديهِ منها السلامْ
"2"
يا لائمي في الشوقِ من عُصِما
عن عشقِ الشامِ قد ظُلِما
هي أحلى نبعٍ للعاشقين
و من روتهُ ما فُطِما
كتمَ ابن الوليدِ3 لذتهُ لرؤيتها
و الجراحُ4 سجدَ فيها و أُغرِما
إذ قال الزمان اسجدْ في دمشق
لتبلغَ في غيرها القمما
جذورُ الشامِ تسألُ التاريخَ
من حطابُ هذا العصر
قال منشارٌ في الغرب
ينوي سلبكِ كل خيركِ
نهبَ من قبل ثمرَ العروبة
قَطَعَ شجرها عند قيلولة العصر
رمى بالعروبة في نار الخصام
لم يبق إلا أنتِ يا شام
"3"
سلامٌ عليكِ يا شامُ
كلما ناحَ الطيرُ و غردا
يا من أنرتِ لنا الدروبَ
وعبدتِ السبيلَ و المقصدا
لو كان الدهرُ عاقلاً
لما عليكِ تمردا
يحسدكِ الكلُ على علاكِ
و من علا لا بدَ أن يُحسدا
فسلامٌ عليكِ كلما ناحَ الحمامُ
و نادى الأذان و رددا
إني عشقتُ أرضَ الشام
و فيها كل العشقِ تجددا
في الشام خمسُ شاماتٍ
كأن لها من كساءِ النبي نصيب
أرضٌ فضلها الصالحون
منذُ فجرِ التاريخ
ففي جنوبها قبةُ زينب
و في العمارة قبة لرقية
و في داريا قبة لسكينة 5
يبدو أن في الشام أمرٌ غريب
في الشامِ نامَ الآذان
في قبر بلال6 ليقومَ
بعد سنين نشيداً
سلاماً لحماة الديار
في الشام
شمعون وأبي الدرداء
و خولة و الحافظُ الذهبي7
في الشام
غفتْ ألفية ابن مالك 8
في سفحِ قاسيون
كأنها نقطة النون
في الشام
يحيى النبي و حنانيا
و يوحنا الدمشقي 9
تختصر المريمية10 في الشام
محبة المسيح في جمالها
و رونقِ نقشها
على أي حال إلى ربوة الشام
جاء يوماً ليحتمي المسيح
"4"
من سجدَ في الشامِ عَشِقَ السجودا
و من لثمَ التراب غدا لهُ مَعْبودا
هو الياسمينُ يُنقي كل شبرٍ
ابحث فلن تجد للياسمين حدودا
ترجو النجومُ في الصبحِ أن تلدا
و في المساءِ أن تظلَ موجودة
أبتْ نجومُ الشامِ عبرَ العصورِ
أن تفنى فغدت للنساءِ نهودا
لا منفى سوى أبوابٍ غدتْ
لكلِ من طلبَ الخلودَ وقودا
كلُ العواطفِ في الياسمين توطنتْ
و خارجها لن تلقى العشقَ محمودا
عشاقُ دمشق أسرى الجمال
و أسرى دمشق شرفوا الجنودا
في الشام تختلُ الموازين
فتلتقي الوثنية بالأديان
ألم ترَ كيف غدا هيكلُ رامونَ11
كنيسةً ثم جامعاً
جامع كبير مدهشٌ
جمالهُ أبدي
لهُ ثلاثُ مآذن
و مزارٌ لسبطِ النبي
عروسُ مآذنهِ12 تحفة
فأين عروس ابن الشام
من عروس باقي العرب
"5"
نَقِلْ الأنظارَ و نَقِحْ الأفكارَ
لن ترى لسواها أسرارا
الشامُ قصرُ الجمالِ في طبيعتنا
من دونِ زينةٍ لم تَزُرْ عَطَارا
يا فلاح نجدٍ أخبرني
أرأيتَ في نجد أمطارا
ملتْ دمشقُ الماءَ فخاصمتهُ
فقررَ الجفافُ لأجلها الإبحارا
في الشام أسماؤها مطرزةٌ كأسئلة
لم تزلْ عند المؤرخين مبهمة
قديماً سموها من دمشاق دمشق
و من حفيد عاد جيرون
و جلق في عهد بني غسان13
دمشقُ مدينةُ السحر الحلال
تَطْلي العقولَ بالكمال و الجمال
لها سبعة أبواب كأنها كواكبُ
ليست نقوشاً ولا خرافات
أهلُ الشام جمعوا مع العلم
التجارة و الزراعة و الشجاعة
فكانوا كالشمس
تدورُ حولهم كل الحضارات
من ملايين السنين
"6"
لي في سنوات عينيها وطن
و في أبوابها السبعِ دارُ
فأنا عشقتُ الشامَ من زمنٍ
ولي في جوامعها مزارُ
و مذ ألفتُ العشقَ لم أزلْ
أكتبُ لأصفها فأحتارُ
و أقسمُ لو عشتُ دهراً
لظلَ عند الشامِ أسرارُ
في الشام مياه سلسبيل
تنسابُ من كل سبيل
كأن غوطتها تحيطُ بها
كما يُحيطُ بالبدرِ النجوم
لا تملُ العيونُ رؤيتها
و لا الصدور استنشاقها
هي جنةٌ أبديةٌ لا تنتهي
و دلالُ نسائِها جهنمٌ لا تُحْرِقُ
كأنها من ضيقِ حاراتِها
و التصاق أبنيتها
تبدو كأنها بيتٌ واحد
كأن بحيرات منازلها جامعة
و نقوشَ جدرانها للفن معاهد
"7"
يمِّمْ رُبا دمشق إلهامكْ
و انظرْ بعد مرأى الشامِ ما يحصلُ
يملُ المرءُ من مرأى النجوم
و من راقبَ الشامَ لا يملُ
هي التي علمتنا كيف نأوي
إلى العيون لتشرقَ الجُمَلُ
هي التي أنطقتْ أشجارها غزلاً
حتى حسبنا أشجارها تُقَبَلُ
"8"
دمشقُ منفيةٌ من سطورِ الذلِ
حتى الذل يراها أبية
فلا مجدٌ يمرُ على يدكْ
إلا وجدتَ فيهِ من ياسمينها شيئا
أنتِ اليقينُ لكلِ عاشقٍ
و ثورةُ الشكِ لمن يدعي النبوة
أحتاجُ مع ماء النيل
لدجلة و الفرات
إن خسرتُ بردى
كي أعودَ ثريا
هزي إليكِ بصخر قاسيون
يتساقطُ الإلهامُ عليكِ نقيا
بريءٌ كليلة القدر وجهها
كلُ طفلٍ إن اجتهدَ غدا نبيا
الشعرُ قبلَ الشامِ أضحوكة
فقبلَ الشامِ لن تجد شيئا
و قبل الشام كان أدم يبكي
و عرفَ السرور بزوجةٍ شامية
أسوارةٌ في معصمِ دمشقية
أسرتْ كل الشرق
و أعادتْ الغربَ أميَّا
مُري ببالي و طهري الخيالَ
من كلِ طيرٍ سواكِ حاما
أنتِ خطيئتي فأكملي خطئي
إن خطيئةَ العشاقِ تبقى الغراما
العشقُ تهمتي ووطني عشيقتي
طارحتكِ الغرامَ فأنجبنا السلاما
فلا تخرجيني من كفيكِ إنني
خارجَ حدودكِ أُعانقُ الأوهاما
دمشقُ لا تصبري و لكمْ صبرنا
و هل غَيَّرَ الصبرُ على الأرضِ حُكَاما
و هل أعادَ الصبرُ لمن صبروا
ثمنَ الطعامِ ليختتموا الصياما
أنتِ أملُ القدس يا دمشقُ
إن نهضتي قامتْ القيامة
لا غالبَ لكِ إن تعصبتِ
بعَصْبَةِ النصرِ وقُدْتِ الاعتصاما
دمشقُ ثوري على الغربِ
أعيديهمْ لصليب المسيح خُداما
احكمي الشرقَ إن الشرقَ يرهبكِ
لولاكِ أحالهُ جيشُ الرومِ حطاما
أعيدي لنصلِ العروبةِ بريقهُ
لا نصلَ دونكِ وإن بدا حساما
أقمْ الصلاةَ في الجامعِ الأموي
و أرسلْ لنجفِ علي منها السلاما
بقلم حسين شبلي
#هنا_لنا
1هو أحمد بن حنبل إمام الحنابلة و له مسند روى فيه عن رسول الله
2بحار الأنوار من أعظم كُتُب الحديث عند الشيعة الجعفرية
3هو خالد بن الوليد أحد قادة الجيش الذين شاركوا في فتح الشام
4 هو أبو عبيدة بن الجراح قاد بعض الجيوش التي فتحت الشام
5من نساء آل البيت استشهدوا في دمشق ودفنوا فيها
6هو الصحابي الجليل مؤذن النبي بلال بن رباح
7هم من الصحافة الذين دفنوا في الشام
8ألفية ابن مالك من أبدع ما صيغ في التاريخ الأدب العربي
9هم يحيى ابن زكريا النبي و يوحنا و حنانيا من القديسين الذين دفنوا في الشام
10من أهم و أقدم الكنائس الكنيسية المريمية
11رامون إله الآراميين الذين جعلوا هيكلا ليعبدوه تحول فيما بعد لكنيسة ثم إلى الجامع الأموي
12 عروس مآذنه نسبة لمأذنة العروس في الجامع الأموي
13دمشاق بن كنعان يقال سميت دمشق على اسمه
جيرون بن سعد بن عاص بن عاد يقال نسبة له عرفت باسم جيرون
جلق عرفت بعهد الغساسنة بهذا الاسم