وحيدة
الصّمتُ الموحشُ يداعبُ أوتارَ الشّجن، تسترجع قطع الأثاث جِلسات وسكنات مَنْ غادروا بلا استئذان، وتردّد الجدرانُ صدى الوجع. تعاندها الدّموع، ويسخرُ منها غدٌ بلا أفقِ أمان، تعجز أنفاس صغيرتها عن بثّ روح التّفاؤل في جسدٍ حطّمه الاستهتار، وأنهكه الجري وراء الخبز، جلب الخضار، دفع الفواتير. تئنّ روحها بعد أن مزّقتها متاهات البحث عن السّعادة المرغوبة مع زوج اتّخذها وسيلة كيدٍ لامرأته الأولى، وساندته حرب أكلت الذّكور في الزواج من المرأة الثّالثة والرّابعة، وردّها إلى بيت أهلها الذين غيّب الموت كبارهم، وأبعد هاجس الخوف من الهلاك صغارهم.
تنام مرغمة، وتستيقظ متكسرة الضلوع، تفرّ من صباحات الفراغ مهرولة إلى عملها في المكتب الصّغير، بيسراها مرآة تطمئنها على جمالها، وتثير الحسرة على حالها، وبيمناها مكبّر صوت يطرق أذن الزميلات والزملاء بثرثرة الخواء، تشكو، تندب، تشتم، تنصح، تفهم في كلّ الموضوعات، وتصبّ غضبها على زوج لم يمنحها إلا الإهمال.
سئم منها الحضور، وبات جمهورها مستمعين بلا آذان، فرّ منها المتعاطفون، وتركوا لها منصة الكلام، وما زال في قلبها كلْمٌ و على شفتيها كلمات لم تصل لأذن الكون. وحدها ابنتها تجيد أن تلبسها ثوب الصّمت عندما تصبّ عليها العتب والملام.