قصّة ( مرٌّ... حلو) للكاتبة: وعد طالب شكوة
أخذَ الشّابُّ نفَساً عميقاً من لفافةِ تبغِهِ. عيناهُ مصوبتان إلى... لا شيء في شارعٍ أُطفِئت مصابيحُهُ، في بلدٍ لاحقتْهُ أفواهٌ نهمة لتأكلَ خيراتِه، و فتكت أيدٍ آثمةٌ بأجسادِ أبنائِهِ، و تراءت أحلامٌ ورديّةٌ لشبابٍ رموا أحضان الأمهات، وضحكات الأطفال، وأوجاع الوطن ... غادروا كلّ شيء، وتركوا الشوارع تبكي على أبنائها.
يلتفتُ جانباً بانتظار المعلّم يضعُ العجينَ في الزّيت دوائرَ لها بدايةٌ، ولها نهايةٌ في وطن يعيشُ دوّامة خراب، لا أحدَ يدري شيئاً عن حقيقة البداية، ولا قارئ فنجان يلمح في الأفق تباشير النّهاية.
يشمّر عن ذراعيه رغم البرد القارس، و يقوم نشيطاً ليتناول الحلوى الشّعبية ( المشبّك) ، ويضعها في قدرٍ كبيرٍ من الماء المغليّ المُحلّى بالسّكّر لتحلو في أفواه مَنْ يستطيعون شراءها.
يتوجّع لطفل يعبر متأنّياً، وعينُه على الحلوى، وجيبُه فارغةٌ، يُناوله قطعةً صغيرةً لعلّ مرارةَ النّظرةِ في العينِ البريئة تحلو، لكنّه يخشى على نفسِه من الطّردِ من عملِهِ البسيط لو قدّم قطعة أخرى لعجوزٍ سألت عن السّعرِ، ورفعَتْ صوتها مستغربةً لما سمعت الرّقم : وي... وي.
يعود إلى كرسيّهِ الصّغيرِ على الرّصيف في مواجهة البرد والرّيح، و وحبال المطر الضعيفة تل بين نقاء الغيوم ودنس الأرض. يشعل لفافته بانتظار زبون جديد، تزعجه مرارة حلقه، و مرارة القهر في جوفه، يميل برأسه على كفّه، مترقّباً أن ينعمَ الوطن بحلوَ الأيّامِ.