( النص الشعري بين العمودي والحر)
بقلم / بشري العدلي محمد
إن هناك بعض الآراء التي تشكك في الشعر الحر وتعتبره خروجا عن الشعر العربي 'وللأسف الشديد تجد هذه الآراء صدى في الآذان.
إن القصيدة في الشعر الحر تشكل عملاً فنياً متكاملاً في الشكل والمضمون وهي شكل جديد في النص الشعري الذي يحمل دلالات جديدة في الفكرة والتصوير والموسيقي الشعرية ،فالبحر والقافية والتفعيلة والصياغة كلها وضعت من أجل خدمة الفكرة والموضوع،وسر نجاح الشاعر يعتمد في التفعيلة والموسيقي الداخلية في النص الشعري ككل وليس البيت وحدة،فأساس الوزن في الشعر الحر هو شعر ذو شطر واحد ليس له طول ثابت ،وإنما يصح أن تتغير عدد التفعيلات من شطر إلي شطر لكن ينبغي أن يكون وفق قانون عروضي يتحكم فيه .
إن أساس الوزن في الشعر الحر أنه يقوم علي تفعيلة واحدة وهي وحدة التفعيلة فالحرية في تنويع التفعيلات تشترط أن تكون في الأسطر متشابهة تمام التشابة ،فينظم الشاعر من البحر ذي التفعيلة الواحدة المقررة أشطراً تجري علي هذا النسق.
إن الشعر الحر يقوم علي وحدة التفعيلة دون إلتزام الموسيقي بالبحور المعروفة ،وشعراء الشعر الحر يرون أن موسيقي الشعر تكون إنعكاساً للحالة الانفعالية عندهم.
إذن الشعر الحر شعر يجري وفق القواعد العروضية للقصيدة العربية ويلتزم بها ولا يخرج عنها إلا من حيث الشكل ،والتحرر من القافية الواحدة فلا داعي لهذا الهجوم الواضح علي هذا النوع من الشعر
بدعوي أنه خروج علي نظام القصيدة العربية لا أساس له من الصحة لأنه نظام جديد يسير وفق القواعد العربية العروضية لكنه يختلف في الشكل فقط.
وإذا أراد الشاعر أن يجري قصيدة ما علي بحر الرمل استوجب عليه أن يلتزم في قصيدته بهذا البحر وتفعيلاته من مطلعها إلي نهايتها وليس له من الحرية سوى عدم التقييد بنظام البيت التقليدي والقافية الموحدة وإن كان لا يمنع ذلك أن تظهر القافية أو تختفي من حين لآخر حسب الوزن الموسيقي والدفقة الشعرية لا سيما وأن النقاد لم يحددوا عدد التفعيلات في الشطر الواحد لكنه ترك الحرية للشاعر نفسه في تحديدها . إن الشاعر في قصيدة الشعر الحر يمكن أن يستخدم البحور الخليلية المفردة والمزدوجة علي حد سواء إلا أن البحور الصافية التفعيلات هي أفضل البحور التي يمكن استخدامها في كتابة الشعر الحر لاعتمادها علي تفعيلة مفردة غير ممزوجة بأخرى حتي لا يقع الشاعر في نسق الأخطاء العروضية .
وهناك بعض الشعراء يلجأون إلي استخدام أكثر من بحر في القصيدة الواحدة والبحور الصافية التفعيلات هي التي يتألف شطرها من تكرار التفعيلة واحدة ست مرات كالرمل والكامل والمستدرك والهزج المتدارك . وإذا سار الشاعر علي هذه القواعد فإنه بالتالي لن يخرج عن نظام القصيدة العربية . إن القصيدة العمودية هي أصل الشعر العربي في جودتها وقيمتها ودليل على تمكن الشاعر من لغته وتطويعها لفكره وعاطفته وهذا ليس مجالا للشك فيه' لكن الشعر الحر مدرسة جديدة في الشعر له جمهوره العريض في كل الأقطار العربية شريطة أن تتوافر فيه اللغة الخالية من الأخطاء 'والالتزام بقواعده المعروفة لاسيما أن المتلقي أو القاريء للشعر اختلف عن ذي قبل في الثقافة والفكر وكذلك تمكنه من اللغة.