بين عامين بقلم الكاتب علي الشافعي
ودّعنا عاما ــ ايها السادة ــ ونستقبل اخر جديدا , مضى عام واتى عام , مضى عام بحلاوته ومرارته , وأتى عام لا ندري ما تجري فيه المقادير , وما تخطه صروف الدهر , واين سيُذهب بنا , او ما نحن صانعون بأنفسنا فيه . مضى عام ذقنا مرارته بشتي صنوفها والوانها , وتجرعنا فيه كؤوس التفرقة والمذلة والهوان . كسّرنا ايدينا بايدينا خربنا بيوتنا بمدافعنا , وجدعنا انوفنا بخناجرنا , وبقرنا بطوننا بسيوفنا , ثم عقرنا خيولنا وكسرنا نصال سيوفنا ورماحنا . قطّعنا ارحامنا وقتلنا اطفالنا وبناتنا ونساءنا وشيوخنا , شردنا ذرارينا في كل البقاع . والسبب ــ ايها السادة الافاضل ــ مطامع دنيوية ؛ كرسي مهترئ , او منصب زائف او اموال اوصلتْنا الى الهاوية .
تمزقت امة كانت تعاني لعقود عديدة من التمزق والتفرقة والضعف والاستكانة , ودمرت عواصم ذات حضارات متجذرة في ذاكرة الزمان , واستبيحت مدن محصنة . دول سقطت وتناثرت , ودول على حافة السقوط والانهيار , واخرى يعصِف بها الفقر وتنتظر الفرج . ودول مرشحة لأحداث جسام . امة ياكل بعضها بعضا , ويشرب سادتها نخب انتصاراتهم المزيفة , ويهرقون كؤوسهم على الغواني في الحانات .
بأيدينا ــ يا سادتي ــ بأيدينا سلّمنا رقابنا لأعدائنا , فذبحونا ذبح الشياه في مسالخ تجار الدماء , فاخذوا يصبّون حمم احقاد كبتوها في صدورهم وتوارثوها عبر الاجيال , ا ويجربون فينا جديد اسلحت دمارهم الشامل , ونحن حامدون شاكرون , نسبح بآلائهم اناء الليل واطراف النهار .
لكن الامل ــ ايها السادة الأفاضل ــ موجود , والعزم على إرادة الله سبحانه معقود , ولابد لهذا المخاض أن ينتهي مهما كان عسيرا , ومهما افرغ من تشوهات . وشواهد التاريخ تثبت أننا أمة تتعثر لكنها لا تندثر , أمة استوعبت همجية المغول وحقد الصليبيين , لتعود بعد فترة قصيرة ؛ وتحديدا في القرن السادس عشر اقوى امة على وجه الارض , دولة مساحتها أراضيها19 مليون كم2 , تجتاح وتحطم الكثير من عواصم الاتحاد الاوروبي الحالية , وذلك في عهد السلطان العثماني سليمان القانوني رحمه الله , الذي كان أسطوله الوحيد الذي بخوض عباب البحر الابيض المتوسط , ومركزه ميناء طولون الفرنسي . سيولد باذن الله فجر جديد تنعم فيه الامة بالأمان , وتتنسم فجر الحرية , وتشرق شمس حضارتها لتشع من جديد وتملأ ارجاء الكون , وسيبعث من يقول يا خيل الله اركبي . نذكر ان الثورة الفرنسية استغرقت اربعين سنة بين اخذ ورد وثورة مضادة . قتل فيها عشرات الالاف حتى استقر وضعها , وترسخت مبادئها السامية : (حرية اخاء مساواة) .
بالمناسبة هل تعلمون ان التتار دخلوا ديار الاسلام باطشين مخربين مدمرين , وخرجوا منها مسلمين في بضع سنين , وان اغلب العائلات الصليبية رفضت العودة الى ديارها , بعد معركة حطين ، وفضلت العيش بين المسلمين . فتأكدوا ــ يا رعاكم الله ــ ان العاقبة لهذا الدين , وان الله ناصر دينه ولو بعد حين . طبتم وطابت اوقاتكم .