قصة قصيرة / خريف عبدالناصر
زاد الجدال بيننا فذهبنا كعادتنا نحتكم إلى عبدالناصر ، اتصلنا به أخبرنا انه خلف مسجد الحسين ، أنها منطقتنا حيث ولدنا بحى الجمالية ونشأنا و اصبحنا رجال ، نحن حرافيش محفوظ أولاد الحارة ولكن المؤمنين بالله ، من سنوات ليست بعيدة كنت العب مثل هذه الأولاد ، والآن تزوجت ولدى أطفال لا يقلون عنهم مرحا وشقاوة و اليوم اختلفنا فى الحوار أنا وبعض من الأصدقاء حول مسألة ثقافية ، فرحب بنا عبدالناصر تلفونيا وكنا قريبون منه ، وكنا نتوسط الشارع الخلفى للحسين واتخذنا شكل دائرة ، وبينما اسرد له تفاصيل الحوار الذى احتدم بيننا ، مرت فتاه هى وصديقتها بجوارنا ، سارا بخطوات متسكعة صوب الميدان الرئيسى ، وقبل أن تنهى الشارع توقفت ، ألقت ضحكة مدوية لا تخرج ألا من الموميسات ، سرقت انتباهنا للحظة ثم عدنا لدائريتنا ، عدنا وما عاد عبدالناصر ظل عالقا معها ، انتصبت شهوه عينية عليها ، أغوته الفتاه الجامحة ، فرضت سطوتها بجسدها .......
نهداها الناضران يعترضان الطريق ضحكتها وفيض الابتسامات والنظرات المغرية انها وسائل ترويج لسلعتها ، لقد ألقت علينا مئات من كروت التعارف وهى تمتهن أقدم مهنه فى التاريخ .
نظر الكل لعبدالناصر بعين الذهول ، قلت يا عبد النصر هل أنت معى ؟، لقد كان معنا ولكنه معها ، جسده هنا وعقله فى مخدعها .............
قلت لنفسى لن اترك صديقى فريسة لهم ، صيد تعثرت قدماه فى فخ عفن ، أفق يا عبدالناصر ، كتب مره مقالة عن المجون حول المشهد الحسينى ، وزيل مقالته قائلا : ان ما يحدث حول الحرم الحسينى ، لا يختلف كثيرا عن ما كان يحدث حول مكه قبل الإسلام ، فطرد من الجريدة ، وزات مره كان يصلى العصر فى مسجد قلعة صلاح الدين قام من صلاته وامسك سائحة من ملابسها ، طاردا إياها خارج المسجد ، اعترض علية الأمام وبعض المصلين بعد انتهاء الصلاة ، استنكروا سوء فعلته ، أجابهم أن بنطالها اللاصق أثار شهوته ، تأسف له الشيخ داخل المسجد ، وقبض علية من شرطة السياحة خارج المسجد ، انه صديقى هناك كريزما ما تجذبني إلية ، دائما ما يبهرنى .
بدأت نظرات الدائرة تتحول من دهشة الى استنكار متوجة الى عبدالناصر ، ناديته فلم يجيب مسكت بيده محاولا فك الرابط بينهما بالقوة ...............
وما العيب أن امسك بيد صديقى فهو كثيرا ما مسك وتشبث بأيدينا ، فى كثير من القضايا الثقافية والبحثية ، لقد جراءنا عى نيتشة وفلسفة نيتشة الملحدة ( العدمية والحتمية ) ، وحسية هيوم البالية وأخذنا فى جولة لحديقة حرية ايمانويل كانت ، عبدالناصر صديقى لا يرضى بالمسلمات ، دائما ما كان يجرنا للتحاور ونقاش العقل ، دائما كانت الابتسامة مصاحبة له ، وعندما كنا نتحدث فى أي شى غير زى قيمة ، كان الشخص الوحيد القادر على توجيه الحوار كالربان ، بل وافتعال حوار ، والأدهى ألقاء سؤال استنتاجي ، حتى نشترك معه فى ثمرة المعرفة ، حتى لا يشعرنا بسطحية فكرنا ولا يترك لنا فرصة لنحقد على سعة عقلة ورجاحة تفكيره ، تعلمنا منه متعة النقد وجمال التحليل ، وقراءه مابين السطور ، إذا كيف أتخلى عن هذا الرجل ، كيف اتركه فريسة لبعض الحاقدين على مكانته بيننا ، أشترك بثورة 25 يناير وقدم كل شى وقال : ( كل من لم يشترك بالثورة ، استفاد بالثورة ) ، وعندما عوقب بالسجن لتهجمه على قانون الحبس الاحطياطى قال : ( لقد دفعت ضريبتى للوطن مرتين ولم أتلقى غير الإهانة ) ، أنا آسف يا صديقى لم أكن بجوارك فى كل الأحداث فلا احد يضاهيك فى وطنتيك ، فانا موظف حكومى ولى ثلاثة من الأرواح برقبتى ، لقد ألححت عليك بالزواج ولكنك كنت تستعير حجج لتجيب على ، الظروف لم تساعدك وأنا اعلم ...............
أنا هنا بجوارك يا صديقى لكن بالله عليك أفق يا عبدالناصر ، ..... وبدأت اضغط على ساعده بلطف حتى يستجيب للإشارات الحسية ، وبداء يلتف برأسه إلينا يبطئ شديد ، يا الله ... ما أطولها من برهة .
شعر عبدالناصر بالخجل ، فتأبط به ونظرت بعين ثاقبة إلى كل الدائرة ، مقتص عين الشامتين به ، فنحن فى زمن تتساقط فيه الرجال و قد حافظت على ما تبقى من صديقى عبدالناصر .
تمت بحمد الله القاهرة 1/1/ 2012
بقلمى / عبدالرحيم زيادة