عندما يغيب العقل ويحكم رجال الدين
في نهاية القرن السادس عشر، جاء العالم والفيلسوف "جيرانو برونو" ليكمل أبحاث كوبرنيق، وليعطيها بعدا جديدا. أخذ برونو ينشر نظرية كوبرنيق في جميع أنحاء أوروبا، متنقلا من قطر إلى قطر، ومن مدينة إلى أخرى. أضاف إلى نظرية كوبرنيق قراءات فلكية جديدة تدعمها.
طبق هذه النظرية الجديدة على كل الأجرام السماوية الأخرى. وأضاف برونو، أن الأرض ليست تدور فقط حول الشمس، لكن الشمس نفسها، ما هي إلا نجم صغير متواضع الحجم، بالنسبة لباقي النجوم التي نراها في السماء. وقال أيضا، أن النجوم الأخرى قد يكون بها كواكب مثل الأرض، وقد يكون بعضها آهل بالحياة والسكان.
في عام 1594م تم القبض على برونو، وسجن لمدة 6 أعوام كاملة، حتى ينظر في أمره. وفي عام 1600م، تمت محاكمته وإدانته. ولأنه رفض الإعتراف بجريمته وخطئه، حكم عليه بأقصى عقوبة.
في ميدان الزهور بروما، وبعد أن ربط لسانه وجرد من ملابسه، قيدت يداه ورجليه في قضيب من حديد. ثم بدأ حرقه حيا وسط جمع غفير من المؤمنين الأبرار، الذين ظلوا يهتفون بالموت للكفار.
بعد 32 سنة من حرق برونو، تمكن جاليليو العالم الإيطالي من نشر كتاب له، يؤكد فيه حقيقة دوران الأرض حول الشمس بالأدلة والبراهين القاطعة. عندما علمت السلطات بذلك، تملكها الغضب الشديد، وقامت بتحديد إقامة جاليليو حتى ينظر في أمره.
لكن عبقرية جاليليو كانت قد طبقت الآفاق في ذلك الوقت. اختراعه للتلسكوب، وتجربته الخاصة بقوانين الجاذبية، كانت معروفة داخل إيطاليا وخارجها. لذلك لم تستطع السلطات إعدام جاليليو بسبب آرائه، كما فعلت مع برونو من قبل، إلا أنها لم تتركه دون عقاب.
فقامت بإرهابه وتهديده وهو في سن السبعين. ولم تدعه إلا بعد أن خر صاغرا جاثيا على ركبتيه. وأجبرته على الاعتراف على الملأ بخطئه، وعدم دقة قراءاته، لأنه رجل عجوز مخرف. أما الحقيقة الثابته، فهي مايراه رجال الدين. أي أن الأرض هي مركز الكون. وكل الأجرام السماوية تدور حولها.
بقلم : محمد زكريا توفيق
للحديث بقية
تقديم : رمضان كامل