مى زيادة .. أسطورة الحب والنبوغ
الفصل الثانى (الجزء الأول)
مي ... في مصر
ما أن انتهت مي من كلمتها في الاحتفال المهيب حتى ضجت القاعة بالتصفيق .. وكادت جدران المكان تهتز من حرارة التأثر وشدة إعجاب الحاضرين بنبوغ وتألق وسحر إلقاء وبلاغة الخطيبة الصغيرة.
كان ذلك في احتفال أقامته الدولة برعاية الخديوي عباس لتكريم الأديب الكبير خليل مطران . وبعث الكاتب المهاجر إلى أمريكا جبران خليل جبران بكلمة ليلقيها أحد الأدباء نيابة عنه في هذه الأمسية الهامة .. والتي أقيمت في الجامعة المصرية في ابريل عام 1913 بمناسبة الإنعام عليه بالوسام المجيدي الثالث ..
قرأت مي كلمة جبران بأسلوب جعل من كل كلمة نبضة تطرق قلوب مستمعيها ومن كل سطر ومضة تلمع في عقول الحاضرين فتحفز عقولهم لتتأمل وتحاور ذلك الفكر الفريد .
***
خرج الحاضرون جميعاً من الاحتفال لا يذكرون إلا اسماً واحداً هو " مي " صاحبة الصوت العذب والإلقاء المعبر عن كل كلمة , والفكر الرصين العميق الذي ظهر بوضوح في تعقيبها على كلمة جبران خليل جبران بعد أن انتهت منها .
ومنذ تلك الليلة في عام 1913 بدأت خيوط الشهرة تنسج حروف هذا الاسم الذي لم يكن معروفاً بهذا الاتساع والانتشار من قبل . وبدأ الجميع يتساءلون عن هذه الأديبة الشابة .. التي تتمتع بجمال الشكل وجمال الروح .. وروعة العقل وعذوبة الصوت معاً!!.
من هي ؟!
ومع هذه الأسئلة الكثيرة تكونت صورة هذه الفتاة .. وعرف الجميع حكايتها.
عرفوا أنها جاءت مع والدها المدرس المغمور إلياس زيادة من لبنان وأمها نزهة معمر وهي فلسطينية الجنسية . جاءوا إلى مصر بحثاً عن فرصة عمل في الصحافة كان يبحث عنها الأب .. ورحل إلى مصر مصطحباً عائلته وراء هذا الأمل .
كان ذلك عام 1908 .. وكانت مي في ذلك الوقت في الثانية والعشرين من عمرها . شابة مليئة بالحيوية والحماس .... تعشق الكتابة والصحافة , تجيد اللغة الفرنسية إجادة تامة , ثقافتها رفيعة , قرأت لأشهر الكتاب العالميين كما قرأت لابن الفارض والمعري والمتنبي .
وبدأت الصغيرة تبحث عن عمل مناسب لإمكاناتها المتميزة .. تستطيع من خلاله أن تساعد والدها في بداية حياته الجديدة في مصر . وكان والدها في ذلك الوقت قد تعرف على إدريس راغب باشا صاحب جريدة المحروسة .. وعمل معه في الجريدة .. وفي نفس الوقت قامت مي بتدريس اللغة الفرنسية التي تجيدها لابنتي إدريس باشا .
اقتربت مي من عائلة إدريس راغب باشا وتوطدت علاقتها بها من خلال الصداقة العميقة التي نشأت في ذلك الوقت بينها وبين ابنتي إدريس باشا .. وبعد فترة منح الباشا جريدة " المحروسة " لإلياس زيادة .. تقديراً لهذه الصداقة الغالية واعترافاً بفضل مي في تعليم بناته.
وفجأة تبدل حال العائلة ! من الفقر إلى اليسر المادي . كما انتعشت صلات إلياس زيادة وزوجته وابنته وتوطدت بالوسط الثقافي في القاهرة ... وبدأت مي بالكتابة في جريدة المحروسة . واختارت اسم " يوميات فتاة " عنواناً لباب ثابت كانت تحرره في " المحروسة " . كانت تختار الموضوعات الحية التي يتجادل بشأنها الناس وتدفع بآرائها الحكيمة والجرئية في آن معاً . فارتبط بها القراء , وراحوا يبحثون عن كتاباتها التي كانت تمثل فكراً جديداً في مجتمع مغلق خاصة بالنسبة لنساء عصرها .
بقلم الأستاذة / نوال مصطفى
للحديث بقية
يقدمه إليكم : رمضان كامل