صل الحكــــايـــة ... بقلم علي الشافعي
يسألني رؤساء تحرير المجلات التي انشر فيها , وكثير من الاصدقاء ــ عندما يريدون التعرف الي ــ عن جنسيتي فأجيب بعفوية : فلسطيني من الاردن او اردني من فلسطين . احس ان الاجابة لا تعجبهم , يريدون اجابة اكثر تحديدا , ف( لهم و لكم و للملأ ) سأروي هذه الحكاية فأقول , وصلوا على طه الرسول :
تعود الحكاية الى بداية العام الدراسي 64/65 , كنت في الصف الخامس الابتدائي في مدرسة عتيل الثانوية المتاخمة لحدود فلسطين المحتلة عام 48 , وهي تابعة لمحافظة طولكرم في اقصى الشمال الغربي للضفة الغربية , التي كانت آنذاك جزءاً من المملكة الاردنية الهاشمية , والرئة اليسرى لها . اختار معلم اللغة العربية مجموعة من الطلبة ــ وكنت احدهم ــ لتكوين فرقة النشيد في المدرسة , اطلق عليها اسم فرقة البلابل , لإنشاد السلام الملكي على المنصة في الطابور الصباحي اثناء رفع العلم الاردني ذي النجمة السباعية البيضاء , على يمين صورتي الشخصية , كنا كل يوم نقف بزي موحد على المنصة امام الطلبة نردد يرددون معنا السلام الملكي , فنشيد القسم الذي ما زلت احفظه , واظن الكثيرين ممن عاصرونا يذكرونه :
إنـــــــي لأقسم بإلله قسما تخرّ له الجباه
إني سأخلص للمليك وللبلاد مدى الحياه
بقي هذا ديدننا كل يوم دراسي حتى عام 67 اذ تغير كل شيء , احتل اليهود الضفة الغربية وسادت قوانين الحاكم العسكري الإسرائيلي , و سلمت سلطات الاحتلال سكان الضفة هويات باسم قيادة جيش الدفاع . ومنع السلام والنشيد في المدارس , وحظر تدريس القضية الفلسطينية , ومنعت طباعة كتب التاريخ والجغرافيا . فعوضنا المعلمون عن ذلك فكانوا يُملون علينا المنهاج من كتب قديمة كانت بحوزتهم . كنا ندرس وفق منهاج التعليم في المملكة الاردنية الهاشمية لذلك فشهادة الدراسة الثانوية وكشف علاماتها سيصدران من وزارة التربية والتعليم الاردنية , يسهل علينا الدخول الى الجامعات .
كبرنا هوى الضفتين في قلوبنا نتطلع الى اخوننا شرقي النهر , فنحن جزء منهم رغم قوانين الاحتلال . انهيت الدراسة الثانوية وحصلت على تصريح لمدة عام لإكمال الدراسة الجامعية خارج الضفة الغربية . في الاردن قدمت اوراقي وحصلت على جواز سفر اردني الذي كان بمثابة الجنسية آنذاك بحكم قانون وحدة الضفتين , ودرست في الجامعة الاردنية , ثم تغربت ما شاء الله لكنني كنت مضطرا للعودة الى الضفة الغربية كل عام وتكبد مشاق السفر ووقفة الجسر وما ادراك ما وقفة الجسر , حتى لا افقد المواطنة انا ثم اولادي بعد ذلك .
في عام 88 صدر قرار إنهاء ارتباط الضفة الغربية إدارياً وقانونياً مع المملكة الأردنية الهاشمية أي قانون وحدة الضفتين . لتقزّم فلسطين الى فقط اراضي الضفة الغربية التي تشرف عليها السلطة الفلسطينية , بعد عملية السلام التي لم تكتمل حتى اليوم . وتم الاتفاق آنذاك على ان كل من يحمل الهوية الفلسطينية لكنه يعيش على ارض الاردن او في ديار الغربة هو مواطن اردني , حتى تستبين الامور وتقام الدولة الفلسطينية . ومن يومها حملنا الهوية الفلسطينية الى جانب الهوية الاردنية , ورفعنا علم فلسطين ــ الذي هو على يسار صورتي الشخصية ــ ايضا فوق رؤوسنا وانشدنا له , كما رفعنا العلم الاردني وانشدنا له .
ولدت اذن ــ دام عزكم ــ في فلسطين ودرجت على مرابعها وتتلمذت على ايدي الشرفاء من معلميها الذين علمونا ان فلسطين هي الرئة اليسرى , وان الاردن هي الرئة اليمنى , ولا غنى لاحداهما عن الاخرى , ولي في فلسطين الاهل والولد . والاردن فتحت لي ابوابها فأكملت فيها دراستي الجامعية وعملت فيها بعد الاغتراب , وربيت اجيالا ثم تقاعدت , ولي راتب تقاعدي وابنائي موظفون فيها , فان اقمت في فلسطين فهواي في الاردن , وان اقمت في الاردن فهواي في فلسطين , فانا ــ يا سادتي ــ فلسطيني الدار اردني الهوى او اردني الدار فلسطيني الهوى .
اقول ــ ايها السادة ــ : للساسة قراراتهم المبنية احيانا على اعتبارات دولية واقليمية , لكن للشعوب قوانينها وقراراتها المبنية على وحدة الارض والتاريخ والمصير واختلاط الدماء والانساب وصلات الارحام والقربى , فكثيرا من ابناء الشعبين الشقيقين اعمامهم في الرئة الشرقية واخوالهم في الغربية , واخرون اعمامهم في الرئة الغربية اخوالهم في الشرقية , هذه اللحمة يا سادة لا يستطيع الساسة انهاءها بجرة قلم , وبالتالي فستسود قوانين الشعوب وقراراتها , رغم كيد الكائدين وحسد الحاسدين وتضليل المضللين و تطبيل المطبلين , ودعاة الطائفية والعنصرية والفئوية , ودعاة التفريق على اساس المنابت والاصول , بحجة الولاء والانتماء . ستسود قوانين الشعوب لان الشعوب هي الباقية .
صحيح والله بهذه المناسبة انا اردني ام فلسطيني ؟ ما رايكم ؟ هل هو سؤال محير ؟ استعينوا بصديق للإجابة . والذي يعرفها جازما فليخبرني وله جائزة . طبتم وطابت اوقاتكم .