الإنسان
رجَعْـتُ إلى نَفْسي بنَظْـرَةِ حاذِقِ||وما غابَ عن عيْنِي شُهودُ حَقائِقي
وَعُدْتُ إلى الماضي أُقَلِّبُ ما جَرى|| أُراجِــعُ سـاعــاتي بــه وَدَقــائِـقي
تَـمُـــرُّ بِيَ الأيّـامُ عَـجْــلَى بَعــيـدةً|| مُــرورَ سحـابٍ أو سَـرابٍ مُفــارِقِ
فَـرُبَّ بُروقٍ خُــلَّـبٍ في سَـمائِهــا|| ورُبّ غُـيوثٍ قد هَـمَــتْ دونَ بارِق
وكمْ مِنْ سَرابٍ كانَ وَهْـماً مِياهُـهُ||وكَـمْ مــنْ مِــياهٍ دونَ آلٍ مُــرافِــق
كــذا فَحَــياةُ المَــرْءِ تَفْـجَـأُ رَبَّــهــا ||وَتَجْـعَــلُـهُ مِنْ عـقْـلِــهِ غــيْرَ واثِـق
فــيَوْماً بِهـا صــابٌ كَــريهٌ مَـذاقُــهُ ||ويَـوْمــاً بِشَهْـدٍ سائِغِ الطَّعْــمِ رائِق
يُعـالِجُــها يَوْماً بِحِـكْـمَــةِ عــاقِـــلٍ||وَيُـفْـسِدُهـا يَـوْمـاً بِـلــَوْثَـةِ مــائِــق
وَيَوْمـاً يكونُ السَّـيْرُ سَهْـلاً مُـواتِياً ||ويَوْمـاً تُعـيقُ السَّـيْرَ كلُّ العَــوائِـق
ويَـوْمــاً يَضيعُ الكَـدُّ دونَ نَتـيجَــةٍ || ويَوْمـاً يكـونُ الحَــظُّ أوَّلَ طـــارِق
ويوْمـاً يَرى خَــيْرَ الرِّفـاقِ مُعـادِياً || ويوْماً يكونُ الخَصْمُ أصْدَقَ صادِق
******
أعـودُ إلى نفْـسي لِأَفْـهَـمَ مـا أنا ||مَـلاكٌ أنـا أمْ إنَّـني طَـيْــفُ مـــارِق
يَشـِفُّ ويَعْلو في السّماءِ تَسامِـياً ||وَيَلْـبَـسُ أحْـياناً ثِـيـابَ مُـنـافِـــــق
وَيَـبْـطِـشُ جَــبّاراً بـدونِ تَعَـــقُّــلٍ ||ويُبــْدي حَـنانـاً في دُموعٍ دَوافِــق
عَنيفٌ كوَحْشٍ فاقِدِ الحِسِّ هاجِـماً|| لطـيفٌ كأنْـسامِ الصّـباحِ المُـعانِق
بِداخِــلِهِ النّـيـرانُ يَغْـــلي أُوارُهـا || كَـبُرْكـانِ نارٍ زافِـرِ الـنّارِ شــاهِــق
بِداخِــلِـهِ تَجْــري جَـــداوِلُ رِقَّــةٍ ||وبَــرْدٍ وأمْــنٍ فـي رُبىً وحَــدائِــق
عَجـبْتُ لنَفْسي إذْ يُنازِعُها الهَوى||وتـخْــضعُ قَـسْراً عـــنـدَ أوّلِ بــارِق
عَجِبْتُ لعَـقْلي كيفَ يَنْهَضُ ثائِراً || وصَحْـوِ ضَميري وَانْتِصارِ خَـلائِقي
فـتأخُــذُني في عُـنْفُــوانٍ وعِــزَّةٍ || وتَـرْفَـعُـني عــنْ كُلِّ شَـرٍّ وَبـائِـق
كــذا، فَــأنا الإنسانُ أكبَرُ مِحْـنَتي ||تَقاطُـعُ نيـرانٍ وَثَــلْـجٍ بِخـافـــِقــي
أُحِــسُّ بِـأَنّي عـالَــمٌ صاخِــبٌ أنا || وَفيهِ ضَـياعي بينَ مـاضٍ ولاحِق
وبَيْنَ يَمينٍ أقْــدَمَتْ في شَجـاعَةٍ || وبينَ شِمالٍ أحْجَمَتْ دونَ عائِـق
أُخاطِبُ نفسي ساخِراً مِنْ جُنونِها||إِلامَ على هذا الطَّريقِ المُساوِق؟
إليَّ فَــثـوبي لا تَـكــوني عَـنـيـدَةً || وَلا تهْجُري يَوْمـاً ظِلالَ سُرادِقي
شَكَمْـتُـكِ دَوْماً بالحِجى دونَ غيْرِه||وبالحَقِّ والإيمانِ، والحَزْمُ سائِقي
********
أَعــودُ إلى الإنسانِ داخلَ مُهْـجَتي||وأحْتارُ فــيه كيفَ عاشَ مُرافِـقي
وكيفَ اسْـتَـقـرَّتْ واسْتمَـرَّتْ حَياتُهُ || وكيْفَ نَجا بينَ الحَيا والصَّواعِــق
وأضْـحَــكُ مسْــروراً بـذلــكَ كـلِّـــهِ || وإنْ كانتِ الدُّنْيا تَـسُدُّ طَـرائِــقي
وإنْ كنْتُ أَشْكو مِنْ سَفاهَةِ أهْلِها || وإنْ كنتُ أَحْيا في ضِرامِ الحَرائِق
ولكِنَّــني أَسْعى لِصَــوْنِ كَرامَــتي || بِعَـيْشٍ كريمٍ وافِـــرِ الـــوُدِّ لائــِق
أُخاطِبُ إِنْساني الذي عاشَ داخِلي
|أراكَ بِعَزْمٍ مُـسْتَجِــدٍّ وَدافِـــــق
فَــيا لـكَ مَـخْــلـوقــاً يُكابِـدُ صــابِراً || وَيــوقِــــنُ أنَّ الـلّـهَ أكْـــرَمُ رازِق.
أُحـاوِلُ فَهْـماً للَّـذي في سَريــرَتي ||وَما كانَ حَوْلي مِنْ أُمـورٍ خَـوارِق
كلا العالَمَيْنِ اسْتَعْصَما في وُجوهِنا||فَما حيلَةُ العَقْلِ الضّعـيفِ المُراهِق
أنا في حِمى رَبّي سَأمْضي مُسافِراًبِعَقلٍ وقَلبٍ في حِمى الوَجْدِ غارِق
رَضيـتُ بِهِ رَبّـاً رَضيتُ بِحُـكْـمِـهِ ||فَـفي يَدِهِ عُمْري وَعَقلي وَخافِقي
وإنّـي لـهُ عَــبْــدٌ ذلــيـلٌ وَطَــيِّـعٌ || أُسَـلِّمُ أمْــري راضِياً غــيرَ حــانِـق
وما كـنتُ أرْضَى أنْ أَكونَ مُعَـبَّداً || ولكنَّ عِـزّي في الخُـضوعِ لِخالِـقي
أنـا في حِمـاهُ أيْـنَـما كنتُ آبِقـاً || وَهَلْ كانَ يُـنْجـيـني تَمَــــرُّدُ آبِــق؟!
*************************
الشاعر حسن منصور
[من المجموعة الثانية عشرة، ديوان (عندما تنكسر الدائرة) ]