إلى ولــدي
نَصحْتُكَ فاسْتمِعْ يا ابْني لِنُصْحي || فـليسَ سوايَ في الدّنْــيا نَصيحُ
لأنّـكَ قِــطــعـةٌ مــنْ أمِّ قــلـبي || وهــــلْ أرْتـاحُ إذْ قَـلــبي جَـريــحُ؟
وهــلْ أغْــفـو ويَهــنــأُ لِي مَـنـامٌ || وأنْتَ بِـخـــاطِــري طَــــيْـفٌ يَلـــوحُ
يُنــادينــي، يَـمُــدُّ يَـدَيْـه نَحْــوي || ويَفْــصِــلُ بـيْـنَـنـا بَـحـــرٌ فَـسـيــحُ
ولكنْ رغْـــمَ بُعـدِكَ عن عُيـونِي || فـإنّ الصّــوتَ في قـلــبي يَـصــيح
وكـمْ ناديْـتَــنــي إذْ أنتَ طـــفـلٌ || لكيْ أحْــمـيـكَ لــوْ هَــزّتْـكَ ريــح
وكــمْ لـبّـيْــتُ صـوتَـكَ غــيْـرَ وانٍ || وكــمْ لـبّـتْـكَ قــبْـلَ الـصّـــوتِ روح
فـحَــطّـــمْـتُ الصّــخـورَ بلا كَلالٍ || بِـكـفٍّ لا تُبـــالِـي مـــا الْــجُــــروحُ
ومَهّــدْتُ السّـبيلَ بكلِّ جُـهــدي || لِـتَـعْــبُـرَهُ وخــــطْـــوُكَ مُــسْـتَريحُ
ولم أبْخـلْ عـلــيكَ بِنَـبْضِ قـلبي || ونُـصْـحٍ مُـشـرِقٍ فـيــه الــوُضـــوح
نصَــحـتُكَ أنْ تكونَ عـلى يَقــينٍ || بأنّ العـلْــمَ مـنْـهَــجُـنا الصَّـحـيــح
وأنَّ الــفــوْزَ ذو طــعْــــمٍ زَكِـــيٍّ || يَـراهُ مُــثــابِــرٌ صَـلْــــبٌ لَـحــــــوح
ولَــمْ يَشْـرُفْ بِغـيرِ العـلـمِ ساعٍ || ولا قــامـتْ عـلــى الدّنـيــا صُــروح
وقدْ رَبّيْـتُ روحَكَ في التّسامي || وفي الأخْـلاقِ يَـصْـحَـبُـها الطُّمــوح
لكي تَـمْضي رَشيداً مُطْمـئـنّـاً || إذا مــــا كـــنــتَ تَـغــــدو أوْ تَــروح
َفخُـذْ قِـيَـماً غَـذتْكَ وأنتَ طــفْـلٌ ||لتَـحْــــيـا لا يُـــراوِدُكَ الْــجُــــنــــوح
وخُــذْ مـنْ جَــذْوَةِ الإيِـمـانِ نـوراً ||فـفــيـهِ ـ إن دَجــتْ ظُلَـمٌ – فُــتـوح
وليْـسَ الــدّيـنُ زِيّــاً نَـرتَــديــــهِ || ولا الإيِـمــانُ تصْـنَـعُـــهُ الْمُـســوح
ولكـنْ في حَــنــايـا القـلْـبِ نــورٌ || بـــه يَــسْــمـــو، وأخْـــــلاقٌ وَروح
فَـسِرْ واعْــمـــلْ وبادِرْ كلَّ خَــيـرٍ || ولا تَظْــهـرْ كمــا ظــهَــرَ الكَـسيح
وإنْ مَـنّـيْــتَ نـفـسَـكَ أيَّ شيْءٍ || فَــخُـذْ مـا يَفــعلُ الْحُـــرُّ الصَّـريح
وحَـقِّـــقْ مــا تُـريدُ بِكَــدِّ ذِهــــنٍ || وكَــــفٍّ لا تُغــــادِرُهـــا الـقُــــروح
كذا فِــعْـلُ الـرّجـالِ إذا اسْتَـعـدّوا || لَهـــمْ عَـــرَ قٌ رَوائـحُـــهُ تَـفـــوح
وكــمْ رزَحَـتْ نفـوسٌ تَحـتَ وَهْـمٍ || فـحَــوّلَــهــا عَــبـيـــداً ذا الــرُّزوح
وسارتْ فــي طــريقٍ غـيرِ هــــادٍ || وعــنْ كـدْحٍ إلى العَـلـيـا تُـشـيح
وكمْ من هــائِــمٍ عَــثَرَتْ خُــطـاهُ || فــيبْقى العـمرَ في الدُّنيـا يَسيح
يُمَــنّي النّفـسَ والأحْـلامُ تَـتْــرى ||ومُهْـرُ الوَهْـــمِ مُـنْـطَـلِقٌ جَـمــوحُ
يَـسـيـرُ بــه إلـى لُــجِّ الأعــالِــي || وفـوقَ السُّــحْـبِ يأخُذهُ الْسَّبوحُ
بــلا نَـهْــــجٍ ولا نـــورٍ مُـــبــــيـنٍ || ولـيس لـهُ حِـجىً هــادٍ كَـبــــوحُ
فــيا ابْـنــي لا تَكـنْ تبَعــاً مَقــوداً ||فـذلــكَ بالْـمُــــروءَةِ قــد يُـطـــيحُ
وحــــاذِرْ كُـلَّ شــيْـطــانٍ مَـــريـدٍ || تَنـكّـرَ كـي يُـقــالَ لَــهُ (مَسـيحُ)
لـهُ قـلـــبُ الْمُـنــافِــقِ فـهْــوَ زاهٍ || وفي الْخَــيراتِ مَـذْهَـبُه شَحـيح
إذا يــومــاً تَـكـلَّــمَ فــهـوَ (قَــسٌّ) || يَشُـدُّ النّاسَ مَنطِـقُه الفَـصـيحُ
وغـــايَـــتــهُ بـأنْ يُـومَــى إِلــــيـهِ || ويَخــطُــبُ كيْ يُكالَ لهُ الْمَـديح
ومــا ضَـحّــى لـوَجْـهِ اللهِ شــيْـئـاً || سِوى قــوْلٍ وأجْـــفــانٍ تَــنـــوح
وقَــوْلٌ دونَــمــا فِــعـــلٍ نِـفـــــاقٌ ||شَـبـيهُ السُّـمّ يُــرْســلُهُ فَـحـيح
ولا تـأمَــلْ مـن الشّيْـطــانِ خـيْـراً ||فــإنّ القُــبْـحَ يَـفـعَــلُـه القَــبـيح
وكُـنْ كالـلَّـيْـثِ تَـرهَـبُـه الضّـواري || وتَـحْــذَرُ أنْ تُـجـــاوِزَ مـا يُـبــيــحُ
ويـا ابْنـي عِـشْ قَـويّـاً مُسْـتَتقــلاًّ || فـإنّ الْحَـزْمَ في الدّنْـيا مَــلـيـح.
********************
الشاعر حسن منصور
[من المجموعة السادسة، ديوان (عندما يكبر الأسى) ـ دار أمواج للطباعة والنشر والتوزيع، عمان ـ ط2 2014 ـ ص 73 ]