لِمـاذا الْحَـجَـر؟
يا صاحِبي ليْسَ الْمُهمّ هو الْحَجرْ || لكنّه تَصْـمـيـمُـنا نَحـنُ الـبـَشرْ
لــكـــنّهُ إيِمــــانُـنا بِـحُــقــوقِــــنـا || مهْما يَطُلْ زمَنُ الظَّلامِ الْمُنْـتشِر
مــا كانَ فـينا غـيرُ ليْثٍ غاضِبٍ ||إنْ يدْعُهُ داعي الْحِمى ركِبَ الْخَطَر
ومَضى يَروضُ عَسيرَه كَمَـطِـيّةٍ || لا يعْـــتَـليها غـيرُ فـارسِـهـا الأَشِـرْ
ولــنا نفــوسٌ كالْجِـبالِ شُموخُها || لا تَنْــحَــني يومـاً لِعـاصِـفــةٍ تَـمُــر
تلْــقى الــرَّدى لكنّها لا تَرتَـضـي || لُـقْيـا الْمَــذلَّةِ والْخُـضوعِ الْمُـنكَسِر
قامَتْ تُفتِّشُ في دَياجي اللَّيلِ عن || نـورٍ مـنَ النّـيـرانِ أوْ نـورِ القَـمــر
لكـنَّهــا وجَــدتْ سِـتاراً مُـظـلِمـاً || سَدَّ الْمَنافِذَ كلَّهـا، حـجَـبَ البـصــَر
قامتْ تُـفتّشُ، تَسْتغيثُ بِلهـفَـةٍ || وتقولُ: هَـلْ منْ إخوَتِي مَن يَنْتصِر؟
هـل مِن مُجيبٍ يا سُلالةَ يَعْـرُبٍ || أهْــلَ الأصالَـةِ والإِبـاءِ الْمُـشمَـخِـر؟
مُـدّوا إليّ يـداً تُعــانِقـهــا يَــدي || وبِهـا تَعِـــزُّ أمـامَ هَـــوْلٍ مُسْــتَـعِــر
وبِهــا تَهُـــدُّ سـتارَ لـيـلٍ حـالِـكٍ || وتُـفــجِّــرُ الأنْـوارَ في فـجْـــرٍ أغَــــرّ
وبِهــا تَـذودُ جَحـافِلاً هَــمَـجِــيّةً || في صَـدْرِهـا حِـقــدٌ قديِمٌ مُـسْتَمِـر
قامـتْ فـأحْـيَـتْ للغُـزاةِ جَـرائِماً || مـازالَ بينَ ضُــلــوعِــنـا مـنْـهـــا أثـَر
باسْمِ الْمَسيحِ تَـجَنّياً وسَفاهَةً || أو باسْمِ مـوسى والْمَعادِ الْمُـنْتـظَر
لكـنّهُـمْ فاقـوا الصّليـبـيّـيـن بـلْ || قدْ أخْجَلوا في فِـعـلِهمْ هَـمَـجَ التّتَـر
يا إخْوَتِي بالسّيفِ نَحْمي عِرْضَنا || والْحَقُّ يَـجْـمَـعُنـا وأحْلـامُ الظّــفَــر
مُــدّوا إلَيَّ يداً فـصَدْري مُـثْخَــنٌ || بِجــراحِ آلامـي وظُــلـــمٍ لا يَـقِــــرّ
هــاتـوا السّـلاحَ نُعِــدُّهُ لعَــدُوِّنــا || والصّـافِـنـاتِ الْجُـرْدَ تَـنْـزِلُ كالـقَـدَر
********
وتَلـَمَّستْ أجْيالُـنا مـا حـوْلَـهــا || وتَساءَلتْ: هـلْ من جـوابٍ أو خَبر؟
لكـنَّهـا والظّــلـمُ يَكْـويـهــا رأتْ || جَـمْعـاً شَـقِـيّـاً فـي غِوايَـتِـه سَدَر
هل هُمْ سُكارى أمْ قَضَوْا آجالَهُم|| (فكأنَّهُـم أعْجازُ نَخْـلٍ مُـنْـقَـعٍـر)؟
واسْتَلهمَتْ أجْيالُنا الْماضي ولَم || تـرْجُ الـنّيامَ، ولَـمْ تَهِـنْ أو تـنْـتَظِر
راحـتْ تُفـتّشُ حـوْلَها وتقــولُ يا || رَبّي أَعِـنّــا أنْ نسيـرَ عـلى الأَثَـر
أفْرِغْ عليْنا الصّبرَ، بارِكْ خـطْــوَنا || طـوبَى لِمنْ إنْ مَـسّه شـرٌّ صَـبَـر
هـوِّنْ عَليْنا الْمَوتَ حتّى لا نَرى || إلاّ الـرِّضى في كلِّ أمْرٍ قَــدْ قُـدِر
وتَفجّرَتْ في كلِّ ناحِيةٍ هُــتــافـــاتٌ تصـيحُ بِهــمْ: ألا أيْـنَ الْـمَــفَـــرّ؟
صُهيونُ قد حانَ الْمَعـادُ فَدونَكمْ || وتَسابَقوا نَحْـوَ الفَـناءِ، فـذي النُّذُر
واهْتزّتِ الأرْضُ الّتي عــاثوا بِهـا || وتكلَّمتْ مُـتَـطـايِراً مـنْهـا الشَّــرَر
قالتْ : خُــذوا الأحْجارَ يا أبْناءَنا || وارْمـوا بِها أعْداءَكمْ ودَعـوا الْحـذَر
فسِلاحُكُمْ هذي الْحجارةُ فانْظُروا||ما أكْثَرَ الأحْجارَ، ما أحْلى الْحَجر!
إنّ السّلاحَ يظـلُّ شَيْئـاً جامِـداً || ما لَـمْ يَكنْ في كَفّ شَهمٍ مُـبْـتَدِر
فَــتراهُ كَلاًّ لا غَــناءَ بِحَـمْــلــهِ || كالسَّهـمِ في قوْسٍ ولكـنْ لا وَتــَر
صـدرٌ بهِ الإيِمانُ يَغـدو مِـدْفَـعـاً || يُلقي الصّواعِــقَ والرُّعـودَ إذا زَفَــر
حَجرٌ معَ الإيِمانِ يَغْـدو مُهْـلِـكاً || وقَـذيفَــةً بينَ الأَعـادي تَـنْـفـجِـــر
**********
لا تَسْألوا إخْـوانَكُم أنْ ينْهَضـوا || فالــنّومُ سُـلْطانٌ عــليهِـمْ مُقْـتَـدِر
وسِلاحُـهُـمْ كـنْـزٌ دَفــينٌ دونَـه || رصـَدٌ شــديـدٌ دونَــه درْبُ الـغَـــرَر
إخْـوانَكُمْ! لا تُقْـلِقوا إخْـوانَكــم || نَبْـشُ القُــبورِ جَــريِمـةٌ لا تُغْــتَـفَـر
فلْتَرجِعوا لِصُدورِكُم فهْيَ الْحُصونُ حَـقــيـقَـةً، والــنّورُ فـيهــا مُـدَّخَــر
والْمَـوتُ للإنْسانِ أكْـرَمُ مَـــوْرِدٍ || ما دامَ يَمْـنــعُ عِــرْضَــهُ كلَّ الْغِــيَر
ماذا نريدُ منَ الْحَياةِ إذا اغْـتدَتْ || مَجـنونَةً، والْخَـيـرُ مـنـها مُسْتَـتِر؟!
هذا السّلاحُ فلا تَـقـــولوا أيْــنَهُ || هــذي حِـجارَتُكُـمْ تُنـادي كلَّ حُــرّ
والأرضُ تعْشقُ خَطْوَكُم،وجِبالُها|| بِشُـموخِـكُــم راحـتْ تَتيهُ وتَفْـتخِر
واخْضرَّتِ الغـبْراءُ تَحتَ نِعالِكُــم || وتَمايلَتْ في الزّهْوِ أعْطافُ الشّجَر
طـوبَى لـكُم أحْــبابَنا! أحْيَـيْـتمُ || مـا كانَ مِـن آمــالِـنا يـومـــاً غَـــبَـر
كالغـيْثِ يُحـيي جَـنّةً في رَبوَةٍ || تَهْــتزُّ تُخْــرجُ خيرَهـا لِبَني الْـبَشرْ.
********************
الشاعر حسن منصور
[من المجموعة السادسة، ديوان (عندما يكبر الأسى) ص 67 ـ ط2، دار أمواج ـ عمان 2014]