احرجوني من بيتي
مجموعة قصص قصيرة جدا
بقلم زهيرشيخ تراب
2 غريب في داره
دخل الحيَّ وحيدا متلهفاً يسابق قلبُه خطواته, يتأمل في وجوه الناس المكفهرة عله يجد من يعرفه ليطمئن إليه . ألفى رجلاً طاعناً في السنِّ يلبس زياً عربيا ويضع الحطة البيضاء على رأسه , أقبل إليه وكأنه وجد كنزاً ثميناً , صافحه بحرارة الشوق , وأفضى إليه بحرقة الغياب التي كانت تعتمل في وجدانه.
مدّ يده إلى جيبه وأخرج مفتاح بيته ليبحث بين الأبواب عن باب يتعرف إلى مفتاحه, كان جاره يصطحبه بين الحارات المليئة بالأنقاض. ليدله على حارته التي ضاعت معالمها في زحمة الأحداث . وكلما نظر إلى باب قال ليس هو ربما كان الذي يليه.
فكر في نفسه هل يعزي جاره العجوز بعد غياب, وقد كان فجع منذ مدة بفقد ابنته الشابة غيلةً برصاص غادر... أدرك أنه لن يستطيع التفوه في هذا المقام بكلمة .
غاب الرجل العجوز عن المشهد وأضحي وحيدا يتحسس ريح داره , وما لبث أن هام على وجهه لا يعرف إلى أين يلوي, فكل الحارات أصبحت ساحة واحدة, وكل الشرفات صارت بلا جدران وكلُّ الجدران أضحت بلا نوافذ , كان هناك أبنية فأصبحت عرصات لا معالم فيها سوى الهدم . جال في أرجائها عدة مرات واندفقت من عينيه دموع اللوعة والأسى . وهو يبحث عن شيء ما ليقول هذا من أشيائي . ومازال هائماُ على وجهه يكرر النظر حوله . كل شيء غريب عنه. وكأنه ما لبث في بيته ذاك خمس وعشون سنة وكان الفراق.
وفي غمرة البكاء والنحيب والدموع فتح عينه فوجد نفسه نائما في فراش الغربة التي ألجأته إليها اليد الغاشمة التي هجرت الناس من بيوتها,
أدرك انه كابوس مرعب عاشه بكل تفاصيله وأحاسيسه وانطباعاته.
خرج إلى عمله كعادته في كل يوم وهو يحمد الله أنه كان يحلم, وأن الأمل مازال مستمرا . ولن نعدم الوسيلة لنمحو آثار ما حدث في بلادنا من أنفسنا وتبقى ذاكرة مؤلمة لكنها كابوس سنستفيق منه.
زهير شيخ تراب
10/9/2013