مقال ( الشعر والحياة)
بقلم / بشري العدلي محمد
إننا نتحرك في معترك الحياة، فنمارس العمل، ونسعى في مناكب الأرض طلبا للرزق و إشباعا لحاجاتنا المادية. ونحن نخوض في سبيل ذلك أشكالا من الصراع، ونواجه كثيرا من العوائق، فتمتزج في تجاربنا اللذة بالألم، و تعترينا ألوان متباينة من المشاعر و الأحاسيس؛ نفرح لما نحقق من إنجاز ونحزن لما يصيبنا من إحباط. نأنس لرؤية الجمال في كل جميل وتنفر نفوسنا من كل ما هو دميم و قبيح. نسعد بصحبة أحبائنا، ونكابد الشوق و الحنين إليهم عند الفراق. نتأمل مظاهر الإبداع في الكون فنبحث في أعماقنا وفيما حولنا عن المبدع العظيم، ونتفكر فيما وراء المرئي و المحسوس لنلمس بأرواح سر الخلق وروعة الإعجاز.
إن كل لحظة من هذه اللحظات التي تحياها الروح هي تذكير للإنسان بأنه خلق متفرد، وهي حافز يبعث فيه شوقا إلى التعبير عن دخيلة نفسه ليجعل من تجاربه الخاصة مجالا للمشاركة والتواصل بينه وبين الآخرين 'من هنا وجدت الحاجة للفن الجميل ليكون وسيلة الإنسان في التعبير عن أشواق النفس وتطلعات الروح ومن هذه الفنون الشعر بكافة أنواعه.
إن الشعر فن لغوي في جوهره يتحقق بقدرة الشاعر على استثمار ألفاظ اللغة و طاقاتها التعبيرية لإنتاج تشكيل لغوي سليم وجميل' يحقق المتعة والتأثير ' ولذلك كان التأمل الكاشف للتشكيل اللغوي هو مفتاح السر في تذوق فن الشعر 'إذ إن اللغة بالنسبة للشاعر هي كالخط واللون للرسام ' وكالنغم والإيقاع للموسيقى' إنها مادة الشعر التي يستمد من طاقاتها وإمكاناتها وجمالياتها جوهر وجوده وسر الإبداع فيه.
إن الشاعر أو الأديب الذي يمتلك اللغة ويعرف أسرار الكلمة ودلالاتها قادر على الغوص في أعماق الإنسان ليعبر عما يشعر به من مشاعر وما يكتنفه من صراعات داخلية أو خارجية فيشعر القاريء أنه يمثله ويشاركه عواطفه ' لذا ينبغي على الشاعر أن ينتقي من المفردات والأساليب مايمكنه من الوصول لقلب المتلقي ' وعليه أن يبتعد عن المفردات الصعبة الغامضة لأن الذائقة عند المتلقين الآن قد تغيرت بفعل عوامل كثيرة لا نريد الخوض فيها. وكون الشعر فن التشكيل الجمالي المؤثر باللغة يجعل منه فنا بالغ الأهمية والصعوبة بالنسبة للشاعر المبدع وبالغ المتعة بالنسبة للمتلقي.فهو متعة في النطق به وأيضا متعة في كتابته لأنه يخرج عن الواقع المؤلم إلى عالم أكثر مثالية وخيال.
إن الشاعر حينما يكتب شعرا فهو يهرب من عالم الواقع إلى الخيال الجميل والعالم المثالي 'فهو لابد وأن يحلم ويرنو إلى الواقع بنظرة مختلفة ' فحين يتنفس العقل ويتحرر من قيود الواقع وقوالب المجتمع يكون الشعر هنا أقرب للممكن ' وليس مطلوبا من الشاعر تفسير كل شيء في القصيدة لأن الشاعر لابد وأن يحترم عقل المتلقي ويترك مجالا أوسع للتفسير والتأويل.