صباحات الحجارة الحزينة ........ بقلم : سمير عدنان المطرود
حدثني حجر الرصيف متذكّراً:
كان صمته اليوم أكبر من كل الكلام الذي قاله ذات يوم، وتوقعت أنه سيكون مختلفاً.. نظر إليّ كئيباً، عيونه الناعسة التي أرهقتها صور العابرين، كانت تسافر على كل طرقات جسدي المنهك بالوقوف على الذكريات.. وحدقات عينيه تنفتح حيناً قسراً، وأحياناً تراها مفتوحةً غائبةً عن كلِّ الصور!
تَحارُ من أين تبدأ هذه النظرات، وتحارُ ماذا تقابل تلك المأفونة، وهي تتلوى على حدود ذكرياتها.؟
أمعقول أن صمتك اليوم يا صديقي؛ صمتٌ عابرٌ على الحياة، أم أنه صمتٌ عابر للوجع.؟!
ألا تذكر، وأنت الذي قلت لي ذات قذيفة طائشة صَفَرَتْ فوق ملامح حبي؛ إنها أخذته معها في رحلة الانهيار المُرّ.فعنّ أي دم تسأل، وهذا الأحمر الذي يجري في عروق الحجارة؛ ليس أكثر من صدأ.!
ألا تذكر، كيف طاشت تلك القطرات على أمكنة السلام ترانيماً للحداد؛ بينما أفواه العجائز اللاتي ابتكَرْنَ صنوفا جديدة من مواويل الدموع وحدائيات الفرح المُرّ؛ صارت بوابات لعبور الضوء في قلب العبير.!؟
يا أنت القابع على مفارق أزيز الرصاص؛ من أين تبدأ كل الحكايات عندك.؟
هل صادفت يوماً؛ يداً تُزيّنُها العروقُ النافرات، وهي تسيرُ في دروبِ الأرجوان رافعةً ذاتها إلى ما فوقِ حدودِ الفؤاد؛ لتمنع رصاصة من الاقتراب إلى دمك أيها الصغير المعبئ بالضحك الحزين.؟
هل شاهدت المعجزة الكبرى، حين توقّفَ الدربُ تحت خطواتها؛ لترفع ذاتها إلى فضاءات اللون الأزرق مع أختها الحيّرى؛ وتدعو يا ربُّ هذا الزمان وهذا المكان؛ أغثنا؛ وامنع عن أطفالنا البكاء وألوان السفر البعيد!
يا ربُّ هذا المكان وهذا الزمان؛ جلّلّهم بوشاحات اللون الأزرق؛ وملاءات الملائكة المسافرة إلى الضياء..!
ماذا قلت لنفسك أيها الصديق الرفيق الحبيب الأخ، أيها الحجر الإنسان، وأنت ترى روحك تتشظّى على هامش الانفجار؛ كي تصدَّ عني غبار الذكريات القادمة.!؟
في أية زاوية كنت حينها أيها الحرف تختبئ من هول البكاء، وصوت التكبيرات المرعبة.. وأطنان الغرباء الفضيحة الذين يملؤون كل بوصة من ذلك المشهد الغرائبيّ.!
لماذا قلت حينها إنك المكبّلُ ببكاء الصغار، ودعوات العجائز والنساء الصبايا؛ بينما أولئك المتوحّشون يقتاتون أمام عينيك وأعين كلِّ مَن حولك؛ تاريخاً طويلاً من فرح الأمان، ورقص العصافير على دوالي الياسمين.
آهٍ.. وألفُ آهٍ، تنفثها الصدور في كل طرفة عينٍ، وهي ترى رؤوس الحروف تتطاير فوق فراغات الكلام.. والخرافيّون العابرون، يفصصّون في كل ثانيةٍ، جسداً من ألقٍ أمامَ ناظريكَ؛ وأنت لا تملك إلا أن تُمسِكَ أرواحَ الأطفالِ والنساءِ حولكَ، تضمُّها لروحِكَ المتعبةِ من الانتظار؛ لتضعها بين أيدي الحجارةِ المسمّرةِ أمامَكَ، وديعةً لحين الهروب.
يا صديقي أيها الحجر الإلهي.. كم أدين لكل ذرة فيك، وأنتَ تلفّ بيديك الحانيتين أرواح أحبتي، وتمنع عن آذانهم ذاك الصرير.