قصة قصيرة *** لستُ من أهل الكهفِ ! .. ***
#حسن_علي_محمود_الكوفحي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رأيتُ فيما يرى النّائمُ .. أنّني نائمٌ .
وأنا نائمٌ .. رأيتني في منامٍ آخرَ أحلمُ أنّني نائم ..
وظللتُ أحلمُ أنّني نائمٌ في كلِّ حلمٍ أحلمُ بهِ .
وسفينةُ النّومِ المغامرةِ ( مترعة بالنائمين ) وتمخرُ عباب الأحلامِ اللذيذةِ النّوح ..وتتحدى بعنادٍ وشراسةٍ الأمواجَ والّرياحَ والصخورَ .. وكلَّ شيءٍ يقولُ أنّ الحياةَ خارجها ما تزالُ موجودة ٌ وتنبضُ بكلِّ ما هو قبيح وجميل .
وكنتُ أوهمُ نفسي بالوصولِ .. الوصولُ لأي شيءٍ كان .. لكن لا يكونُ ثمّةَ إلا النّوم يرقدُ في أحضانِ حلمٍ .. وحلماً يهجعُ في رحابِ النّومِ .. وهكذا أيقنتُ .. مع مرور الزمن .. والسفينةُ تجري لغيرِ مستقرٍّ .. أنّني نائمٌ في جميع أحلامي .. وأنّ أحلامي نائمةٌ معي وتحلُمُ بنومٍ عميقٍ فيهِ رائحةُ الخلودِ .. الخلود الذي أحلمُ بهِ ولو من خلال النّوم ..
ودهمني شعورٌ .. وإحساسٌ غريب .. أنّني استيقظتُ .. وركابَ سفينةِ النّومِ .. ونرددُ .. مستيقظ .. مستيقظ .. مستيقظ ..وتنبّهتُ فزِعاً لأجدَ أنّهُ ما هو إلا حلمٌ قد استيقظتُ في أثنائهِ .. ولا يذكرني بشيءٍ .. من مثلِ أنّنا كنّا في يومٍ من الأيامِ مستيقظينَ .. فأنا كباقي بني قومي .. أنامُ وأحلمُ أنّني نائم .. وأستيقظُ وأحلم أنّني مستيقظ ..
وفي ذاتِ نومٍ .. وأنا أعيشُ في أحلامي .. حلمتُ أنّني لستُ نائماً .. فجننتُ .. وأنّني مستيقظاً .. فذعرتُ .. وكلّما حلمتُ أنّني لمْ أكنْ نائماً .. تأكدّتُ أنّني لم أكنْ مستيقظاً .. وكلما حلمتُ أنّني مستيقظ .. تأكدّتُ أنّني لمْ أكنْ نائماً .. والحقيقةُ أنّ النّومَ والحلمَ واليقظةَ هم قوامُ السّفينةِ التي لا أرجولها خرقاً في يومٍ من الأيامِ !!! .
وهكذا تعمّقَ .. تجذّرَ يقيني مع مرور الأيامِ والسنين .. والسّفينةُ تجري لغير مستقرٍ أنّني ما أزالُ أنعمُ بالحلمِ ولمْ استيقظ من نومي .. وأنّني ما أزالُ أنعمُ بالنّومِ .. ولمْ استيقظ من حلمي .. ولكنّني وقومي كباقي الناسِ .. نحبُّ .. ونتمنّى .. ونرجو .. ونتضرّعُ لِأنْ يكونَ لهذا النّومِ .. لهذا الحلم .. نهايةٌ .. نتمنّى ونشترطُ أنْ يكونَ البديلُ في ذاتِ المستوى .. ولا بدّ أنْ يكونَ جديداً .. ومتطوراً .. ومتقدّماً .. ويستخدمُ أحدثَ تقنياتِ النومِ ..
وحلمتُ أنّ الحلمَ قد تغيّرَ .. وكلما حلمتُ أنّ الحلمَ قد تغيّرَ .. حلمتُ بأنّني أحلمُ أنّ الحلمَ قد تغيّرَ وتطوّرَ .. وقلتُ في نفسي .. لنفرضَ مجرّد فرضٍ .. أنّ الحلم انتهى وتغيّرَ فعلاً .. وفرضتُ .. وأردْتُ اختبارَ الفرض .. ونهضتُ أريدُ شربةَ ماءٍ .. فقد تيبسَ حلقي .. وجفّتْ عروقي .. ونضبتْ قواي .. وإذا بصوتٍ قادمٍ من بعيدٍ شاحباً .. ضئيلاً كالخيالِ .. يزجرني .. وينهرني .. يأمرني حالاً بالعودةِ إلى السّفينةِ .. وقال .. عليكَ أنْ تعلمَ .. أنّكَ مع مرورِ الأيامِ والسنين صرتَ مخلوقاً ضعيفاً .. خداجاً .. يُخْشى عليكَ من النّسمةِ .. والبسمةِ .. واللمسةِ .. والنظرةِ .. فكيفَ .. كيف .. والليلُ ما يزالُ في أوجِ فحولتهِ ..
وارعويتُ .. واستسلمتُ لما قالَ .. وحلمتُ أنّني أشربُ ماءً .. وكلما شربتُ حلمتُ أنّني أشربُ ماءً .. وسررتُ بذلك كثيراً ..فالقدرةُ على التّكيُّفِ داخلَ الحلمِ أمرٌ ضروريٌّ جداً لاستمراره .. وديمومتهِ .. فكلُّ مشاكلي .. وقضاياي .. وأزماتي .. أحلُّها بطرقتي الخاصّةِ جداً جداً .. فأنا لي نومي الذي لايشبههُ نومٌ .. ولا موتٌ .. ولا نومُ أهل الكهفِ ! .. ولي يقظتي التي لايُشْبهها يقظةٌ .. فهي ترضي الأعداءَ .. وتخيّبُ أملَ الأهلِ والأصدقاءِ ..
ولمّا رأى صاحبُ الصّوتِ الشّاحبِ ذلكَ منّي .. غاظهُ ذلكَ بدلَ أنْ يسرّهُ .. وحلمتُ أنّهُ أحضرَ سطلَ ماءٍ معتّقاً .. ودلقهُ عليَّ .. فعببتُ عبّاً .. وحلمتُ أنّني أعبُّ .. وأسبحُ وأعومُ بنشاطٍ في كلِّ مناحي واتجاهاتِ الحلمِ .. كيفَ لا والحلمُ هو مجالُ حيويّتي .. ونشاطي .. وحياتي ..
وازدادَ غيظهُ وحنقهُ منّي أكثرَ .. عندما رآني أتمتّعُ بكلِّ ذلك النّشاطِ .. وأحسستُ بهِ وهو يفركُ أنفي بقوّةٍ .. أنفي رمزُ أنفتي وشموخي .. وهو يقول ... انهضْ .. استيقظْ .. فِزْ .. الساعةُ الآنَ التّاسعةَ صباحاً بعدَ مرورِ أكثرَ من تسعين سنةٍ .. انطلقْ وأحضر لنا طعاماً !! ... وظلَّ المسكينُ يردِّدُ تلكَ العبارة البائسةَ مرّاتٍ عديدةٍ .. كأنّه يستكثرُ علينا مدّةَ النّومِ اليسيرةِ تلك .. وأنا في الحقيقةِ لا أدري لماذا العجلةُ .. والعجلةُ من الشيطانِ .. فقد استكثر عليَّ شربةَ ماءٍ والآنَ يريدُ طعاماً ..
لكنّ صاحبَ الصّوتِ الشّاحبِ ملحاحٌ .. مما أثارَ في نفسي الاشمئزازَ منهُ .. ثمّ تحوّلَ الاشمئزازُ إلى شفقةٍ عليهِ .. فيظلُّ هو قائدُ السّفينةِ .. وبذلتُ لهُ حلماً مليئاً بالطعامِ والشرابِ .. وتركتهُ لهُ وحدَهُ يتمتّعُ بهِ ..
وانطلقتُ خارجَ السّفينة .. ولكن سرعان ما رجعتُ مُطأطىء الرّأسِ .............