الضمـير المستتر
اقرَأْ كِتابَكَ يا وَلَد
دَرْسٌ جَديدٌ عِندَكمْ
يُدْعى (الضَّميرَ الْمُسْتَتِر)
أعْرِبْ وَلا تُخْطِئْ، فَفي لُغَةِ العَرَب
لا بُدَّ للأفْعالِ مِن شَخْصٍ يُنَفّذُها –
ويُدعى فاعِلاً
هلْ تَعْرِفُه؟
لوْ قيلَ لَك:
(ذَهبَ القَويُّ إلَى العَمَل –
لكنَّهُ لَمْ يَسْتَمِرّ)؛
كانَ القويُّ الفاعِلا
لكنَّهُ لَم يَسْتَمِرَّ، ِلأَنّهُ راحَ اسْتَتَر!
أَفَهِمْتَها؟
أَكْمِلْ لِتعْرِفَ ما بَقي
لتَرى الضَّميرَ الْمُسْتَتِر:
كيفَ اسْتَتَر؟
أينَ اسْتَتر؟
لِمَ غابَ مِن دُنْيا البَشر،
فيما رَوَتْ في وَصْفهِ لُغةُ العَربْ؟
****
تاريِخُنا يَروي لنا هذا الْخَبَر:
كانَ الضّميرُ مُحَلِّقاً
قمَراً يُضيءُ طَريقَنا مُتَبسِّما
نَجْماً تَسامى ساطِعاً مُتألِّقا
يَهْدي البَشَر
ويَقودُنا نَحْوَ العمَل
فالفَرْدُ مِنّا في الوَغى عنْدَ اللِّقا
جَيْشٌ يَسيرُ عَرَمْرَما
وإِذا دَعا داعي الْخَطَر
لايَنْتَحي أوْ يَسْتَتر
****
تاريِخُنا أخْبارُه تُحْيي الأمَل
يَروي لَنا كَيفَ اسْتَكانَ عَدَوُّنا
كيفَ اسْتتَر
وخُيولُنا كانَتْ تَسيرُ عَزيزَةً
ولَها حَوافِرُ مِن لَهَب
جَمْرٌ على هامِ العِدى
يَروي بِأنَّ بِلادَنا كانتْ تُحاكي جَنّةً
والعَدلُ والْحَقُّ الْمُبينُ طريقُنا
ويَعيشُ فيها النّاسُ في أغْلى وطَنْ
فَِلأنّهُم لَم يَعرِفوا مَعنى الضَّميرِ الْمُسْتَتر
ما كانَ يَحْكُمُهُمْ عَدوٌّ مُغتصِب
فَيُذيقَهُمْ كأسَ الْمَذلَّةِ والرَّدى
ويُذيقَهمْ مُرَّ الْمِحَنْ
ما كانَ يَحكمُهُم عَدوٌّ مُغتَصِب
يُفْني النّفوسَ بِلا ثَمَنْ
أوْ أنّهُ يُقصي الرِّجالَ فلا بُيوتَ ولا سَكَنْ
ولأنَّ كلَّ النّاسِ قدْ عرَفوا ضَميراً واحِداً
مُتَألِّقاً
كالشَّمْسِ في كَبدِ السَّما
وضِياؤُهُ فيهِ الْهُدى؛
فقَدِ اسْتَقامَ طريقُهُم في ضَوْئِه
وتَعارَفوا وتَعاوَنوا
فكَأنَّهُمْ أعْضاءُ جسمٍ واحِدٍ
فَهمُ البَطَل
وهمُ الذينَ تعلَّموا حُبَّ العَمَل
****
لكنَّما في عَصْرِنا هرَبَ البَطَل
ومَضى إلى غيْرِ العمَل
بلْ إنَّه في عصْرِنا فَنِـيَ البَطل!
ما عادَ جِسماً واحِداً
بلْ صارَ أشْلاءً، تَمزّقَ في السّماءِ قَدائِدا
وبِذا أتى عَصرُ الضّميرِ الْمُسْتَتر
لو كانَتِ الدّنيا تَموجُ بِخيْرِها
مِن حَولِهِ مَزهُوَّةً
أوْ أنَّها في شَرِّها
سوْداءُ مُظلِمَةُ النّواحي والْمَدى
فالأمْرُ لا يَعنيهِ في شيءٍ، وليسَ لهُ صَدى
لا يَسمَعُ الأطفالَ رغْمَ بُكائِهِم
ونِدائِهِم
إذْ إنّهُم يَدْعونَه كي يَسْأَلوا
بالشّوْق عنْ آبائِهم
ولَهُم رَجاءٌ أنْ يُجيب لأنّهُمْ لَم يَعرِفوا
شيْئاً يُسمّى بِالضّميرِ الْمُسْتَتر
أو يَفْهَموا لغةَ العَرَب!
****
أَنُعَلِّمُ الأطفالَ أُسَّ عُيوبِنا؟!
أنُحَمِّلُ الأطفالَ وِزْرَ ذُنوبِنا؟!
أنُعلِّمُ الأطفالَ ما لُغةُ الضّميرِ الْمُسْتَتر
مُنذُ الصِّغَر؟!
أنَقولُ إنَّ لَنا ضَمائَرَ قدْ خَبتْ
ومعَ الزَّمانِ تَفَتّتَتْ
أوْ أنّها صارتْ هَشيماً وانْدَثر!
أيَكونُ موْضوعُ الضّميرِ الْمُسْتَتر
رأسَ الْمَواضيعِ الَّتي حَفَلتْ بِها لُغةُ العَرَب؟!
****
لا! وَلْتَكُنْ لُغةُ الْحِوارِ جَديدَةً
لُغةً تُنيرُ لَهمْ طَريقاً للْعَمَل
لُغةً تَسيرُ رَشيدَةً:
فالفِِعلُ معروفٌ وفاعَلُه ظَهَر
ما خافَ يوْماً أوْ تأخّرَ واسْتَتر
لغَةٌ تُعلِِّمُهمْ بأنَّ مِن العَمَل –
يأْتِي انْبِثاقُ الْمُعجِزاتِ، يكونُ ميلادُ البَطَل
ليَكونَ هذا كلُّهُ
رأسَ الْمَواضيعِ الّتي تَزْهو بِها لُغةُ العَرَب.
******************
الشاعر حسن منصور
[من المجموعة السابعة، ديوان (وقفة على الطريق) ط1 دار أمواج ـ عمّان 2014م ص67]